ابتسامة الشهيد حار فى تفسيرها المفسرون، وتوفر عليها المحبون، ورضى بها الطيبون، فى المعجم اللغوى، ابتسامة تعنى بشاشة، ضَحِكَة خَفِيفَة بلا صوت، وبَسَمَ، ابتسم، انفَرَجَتْ شفتاه عن ثناياه، ضاحكًا دون صَوتٍ، وهو أخَفُّ الضَّحِك وأحسنُه..
ليس بعيدًا عن المعنى اللغوى، مطالعة صور شهداء الوطن الأبطال تذهلك الابتسامة، الشهداء يبتسمون، ابتسامة الشهيد تبقى مشرقة تنير الوجوه، عذبة ابتسامة الشهيد، تبلسم القلوب الحزينة، لماذا هم مبتسمون دوماً، «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى» (الكهف/١٣)، راضون بقضاء الله وقدره.
أعذب الابتسامات وأرقها وأجملها ابتسامة الشهيد، تحار العقول فى استيعابها، وتدهش من صفائها، غبطة وحبور، يطلبون الشهادة فى فرح وسرور، رائعة تلك الابتسامة التى تقول للإرهاب لن تغلبنى، تقول الكثير بالصمت البليغ، بدون كلام، وتهبنا الكثير من الراحة بدون تقتير، ملؤها ثقة فى النصر، وتسرى روحها (روح الابتسامة) إحساساً طاغياً بالفخار.
كلما طالعت بيانات للقوات المسلحة التى تصدر تباعاً، تشع من بين سطورها ابتسامة الشهيد، وكأنها تحرر بدماء الشهداء الطاهرة، تتصدرها ابتسامة الشهيد، تلون سطورها، شرف عظيم لا يناله إلا الموعودون.
بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة تكتفى بالإشارة إلى نتائج العمليات القتالية الظافرة، ولا تصرح بتفاصيل العمليات، وإن علمتموها بالتفصيل لقبلتم جبين كل جندى مصرى رابض على الحدود.
هناك تسجل آيات من التضحية والفداء، والجود بالنفس، والإيثار، هناك على الحدود جنود من بين الصلب والترائب، صلب هذا الشعب، من ظهر رجاله يعرفون حق الوطن حق المعرفة، ويعشقون الوطن عشقاً ويتيهون فخراً.
الانتماء لهذا الجيش فى هذا الوطن أمنية عظيمة من الأمانى العذاب، وابتسامة الشهيد تحمل كل المعانى والأمانى.
الابتسامة، ابتسامة الشهيد كلمة طيبة بغير حروف، الابتسامة عنوان الشعور، والشعور عنوان الإنسانية، والشهيد يضرب مثلاً، أن تضحى من أجل حياة الآخرين، يهبوننا الحياة من حيواتهم.
الشعب الذى يملك مثل هذا الجيش العظيم بهذه الروح الاستشهادية يُكتب له الحياة، أبطال القوات المسلحة يدفعون ضريبة الوطن دماً، بارك الله فى الجنود، ورحم الله الشهداء منهم، أحياء عند ربهم يُرزقون.
لو تعلمون حجم التضحيات الجسام لخير أجناد الأرض لقبلتم التراب من تحت خطوهم، على الحدود أسود، يجودون بالنفس قربى إلى الله، وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (البقرة/١٥٤).
تلفتك الابتسامة عن مطالعة أسماء الشهداء، فجميع الأسماء سواء، يسبقها لقب «مقاتل شهيد»، درجة من درجات المجد والفخار، مقاتل خلق للذود عن الحياض المقدسة، ومكتوب فى اللوح المحفوظ شهيد، وكل مقاتل «مشروع شهيد»، يتسابقون إلى الشهادة، يطلبونها نصراً أو شهادة.
الشهداء أحباب الله، نعم، ونعم بالله الذى أنعم عليهم بالشهادة، فالشهداء ليسوا أمواتًا إنما هم أحياء عند ربهم يرزقون، ويكفى الشهيد منزلة أن ذنوبه تكفر بأول قطرة من دمه، وأن الشهداء يتمنون لو عادوا إلى الدنيا ليستشهدوا فى سبيل الله مرة أخرى لما رأوا من عظيم منزلة الشهادة.
سر الابتسامة التى تلون وجوه الشهداء، من الرضا، هؤلاء رضى الله عنهم، ومن ينال الرضا تقر عينه، ويطيب قلبه، وتنير الابتسامة وجهه، وجوه الشهداء حسنة من النعيم، «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» (القيامة: ٢٣/٢٢)..
ويجيب (صلى الله عليه وسلم) عن سؤال ابتسامة الشهيد فيقول فيهم قولاً بديعاً: «أرواحهم فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى تلك القناديل».
يبتسم الشهيد لأنه يرى مكانه فى الجنة، الشهيد لا يموت بل ينتقل مباشرة إلى الجنة وما بها من نعيم أبدى لا ينقطع قال تعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون».