رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

من يتابع صفحات الناس فى فيسبوك قد يعتريه الذهول من جراء حجم البذاءة التى تلوث تلك الصفحات، إذ لا يتردد شاب فى استخدام مفردات بالغة الفحش فى انتقاد شخص أو فكرة أو موقف، بل الأدهى أن تقدم بعض الفتيات والسيدات على استعمال كلمات تفوح من حروفها روائح البذاءة المقززة، فكيف ومتى حدث لنا نحن المصريين هذا التحول المقيت فى مفاهيم الأخلاق والأدب والذوق؟

باعتبار أن صفحتك فى فيسبوك هى انعكاس لثقافتك وذوقك وأخلاقك. علينا أن ننتبه أولا إلى أن لكل عصر قيمه وأخلاقه و(بذاءاته)، كما أن لكل طبقة اجتماعية (بذاءتها) الخاصة بها، رغم أن هناك قاسمًا مشتركًا أعظم يتفق عليه الجميع بأن هذه المفردات تندرج ضمن المعانى السافلة، ومن يطالع عناوين بعض الكتب القديمة ينتابه العجب لأن الأوائل كانوا يستخدمون كلمات صادمة بالنسبة لنا الآن، لدرجة أنها لا يمكن أن تنشر فى صحيفة أو كتاب أو تقال فى فيلم أو مسلسل، ومع ذلك يحتشد فيسبوك بكل تلك الكلمات التى كان ينفر من سماعها المجتمع قبل عدة سنوات قليلة، ومازال يحمّر من خفريهما خدّا الفتاة المهذبة أو الشاب الحيي. فى تصورى أن هذا السيل من العبارات البذيئة التى تلطخ صفحات الفيسبوك هى تعبير فج عن مجتمع مأزوم، وأن من لا يجد أية غضاضة فى كتابة كلمة شائنة هو يعانى حرمانا ما من حرية التعبير عن رأيه فى وسيلة مشروعة، فربما صارت البذاءة محاولة فظة للتنفيس عن الغضب أو الاحتجاج أو التذمر. أكثر من 38 مليون مصرى يستخدمون الفيسبوك بشكل يومى وفقا لما أعلنته فى أكتوبر 2020 مؤسسة STATISTA للأبحاث التسويقية، حيث احتلت بلدنا المركز التاسع عالميًا، الأمر الذى يؤكد أننا نحن المصريين قد غدونا أسرى شاشات الهواتف المحمولة واللابتوبات، فمن خلال فيسبوك يحق لنا (الفضفضة) وانتقاد ما يزعجنا وما نراه غير مجد أو مفيد فى حياتنا اليومية.

هذا الانتقاد استعار أسوأ ما فى قاموس اللغة من مفردات وعبارات – فصحى وعامية – بمعايير الذوق السائد اليوم، فانهمر على جدران السوشيال ميديا الشتائم المرة والسخرية الجارحة والاستخفاف المرذول. أرجو ألا تظن أننى أدين الشتامين، وإنما أناقش معك كيف لشاعر أو روائى أو رسام أو قاض أو محام أو صحفى أو أستاذ جامعى أو مهندس أو طبيب أو ممثل أو... أو... أقول كيف لكل هؤلاء الكبار – رجالا ونساءً–أن يكتبوا أبشع المفردات على فيسبوك دون خجل؟ وكيف ارتضوا أن يتحولوا من قدوة يحاول البسطاء تقليدها فى السلوك والكلمة والإيماءة إلى محاكاة أسوأ ما فى خصال المحرومين من العلم والثقافة والحياة اللائقة؟ فمضى هؤلاء (الكبار) يشتمون بالمفردات القبيحة نفسها التى يرددها أولئك المحرومون! أذكر أن المفكر الروسى ليون تروتسكى (1879/ 1940) طالب مرة علماء اللغة فى روسيا أن يبحثوا عن السر وراء بذاءة اللغة الروسية بعدما لاحظ أن الوزراء والقضاء فى بلده لا يتورعون عن أن يصرخوا فى وجوه المتهمين بأحط الألفاظ السوقية، وأن يكيلوا لهم السباب أمام الملأ بأبشع التعبيرات الفاحشة.

بالنسبة لي، فما زلت أظن أن على المثقفين والمبدعين فى مجتمعات العالم الثالث مهمة كبرى وهى الارتقاء بالذوق العام لدى الناس، لذا أطالب علماء اللغة وأطباء علم النفس لدينا بالإعداد لمؤتمر عام عن (البذاءة)، يتناول أسبابها وتاريخها وكيفية الحد من انتشارها، مع ضرورة الانتباه إلى أن معدل ارتفاع البذاءة مرتهن بحجم الكبت والحرمان من جهة، وشحوب الفنون الراقية والآداب الرفيعة من جهة أخرى. وقانا وإياكم شرور البذاءة وكيد الشتامين!