رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

غدًا يكتمل ثلاثون عامًا على رحيل الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهاب، فقد غاب عن دنيانا فى الرابع من مايو عام 1991، بعد أن ملأ القرن العشرين بعطر الموسيقى والأنغام العذبة.

معذرة... هل قلت (عطر الموسيقى والأنغام العذبة فقط؟). إن هذا اختزال لا يليق برجل فذ مثل عبدالوهاب، ذلك الذى أوتى من الحكمة ما يجعله يتبوأ مكانة سامقة مع كبار مثقفينا وأدبائنا الذين أثروا حياتنا برؤاهم العميقة وأفكارهم المستنيرة أمثال شوقى وطه حسين وسلامة موسى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ.

أجل... عبدالوهاب واحد من حكماء القرن العشرين، ومن حسن الطالع أنه ترك لنا ثروة نادرة من الحوارات الإذاعية والتلفزيونية التى تحدث فيها عن كل شيء، فقد كان صاحب (الجندول) ضيفا دائمًا على موائد اللقاءات والبرامج، وكان المذيعون يمطرونه بأسئلة عديدة متنوعة من أول رأيه فى المرأة حتى علاقته بشوقى، مرورًا بطبيعة الحال بآرائه فى الموسيقى والغناء وكيف يرى تلاميذه الفنانين ويقيّمهم.

عشرات اللقاءات موجودة فى موقع «يوتيوب» والأغلب منها شاهدته فور إذاعته فى الأيام الخوالى، فقد عرفت قيمة عبدالوهاب السامقة وأنا صبى من والدى المرحوم عبدالفتاح عراق المثقف العصامى والذواقة النبيه، لذا ظللت أتابع بشغف تصريحات عبدالوهاب وحواراته فى جريدة أو مجلة أو إذاعة أو تليفزيون، فهو رجل واسع الاطلاع عذب الحديث طلق اللسان خفيف الظل أنيق الملبس، وقد ضمه كتابنا الأوائل إلى قائمة ظرفاء العصر.

فى برنامج (النهر الخالد/ 30 حلقة) الذى سجله سعد الدين وهبة مع عبدالوهاب أواخر الثمانينيات، أى وعبدالوهاب قد تجاوز التسعين لأنه من مواليد 1897. فى هذا البرنامج تحدث الرجل فى الحلقة الرابعة عن علاقته بأمير الشعراء، ووصف لنا بدقة جسد هذا الشاعر الفذ وقسماته، فهو قصير جدًا، عاشق للمرح والمزاح، كما قال إن شوقى قلق باستمرار، لا يتوقف عن التدخين، ولا يمكث على مقعد أكثر من ربع ساعة، فهو دائم الحركة.

وقد أفاض عبدالوهاب فى وصف الحالة النفسية وانعكاساتها الجسدية عندما يتنزل (وحى الشعر) على أشهر شعراء العرب فى الألف عام الأخيرة، فقال إن شوقى يخلد للصمت فترة وتتحرك عيناه بعصبية يمنة ويسرة فهى لا تثبت على شيء، ثم يهمهم بكلام ونغمات غير مفهومة، ويتحرك شاردًا غير مدرك لما ومن حوله، كما يخشى عبور الشارع ولا يقطعه إلا ركضا، ثم يتعرق بشدة فيستخرج على الفور ورقة وقلمًا من جيبه ويكتب فيها بيتا أو بيتين فيهدأ باله وتعترى ملامحه صفرة كمن خرج من ولادة متعثرة. ويضيف عبدالوهاب قائلا: (إن الفن اشترى شوقى)، فهو ملك خالص له. وقد منح أمير الشعراء عبدالوهاب كنزا ثقافيًا ثميناً عندما كان يصطحبه لمجالسة كبار القوم من سياسيين ومثقفين ومبدعين وصحفيين أمثال سعد زغلول وطه حسين والنقراشى باشا وأحمد ماهر باشا وداود بركات وتوفيق دياب وأنطون الجميل وفكرى أباظة والمثال محمود مختار صاحب نهضة مصر!

وفى برنامج (النادى الدولى) مع سمير صبرى يصف عبدالوهاب السيدة أم كلثوم بأنها (صاحبة الصوت الذى لا يعرف المستحيل)، وعندما يسأله مفيد فوزى فى برنامج آخر عن رأيه فى المرأة، فيقول: (المرأة وردة بشوكها). ويقول أيضا إنه يحب الوحدة (ليهرب من تفاهات الناس)، ويتذكر بعرفان كيف مدحه العقاد فى قصيدة جميلة، وأذكر أننى سألت أمين بسيونى رئيس إذاعة صوت العرب الأسبق: كيف كنت تسجل حواراتك مع عبدالوهاب؟ فقال لى: إنه دقيق جدًا ويطلب عدة أيام حتى يفكر فيما سيقوله للمستمعين.

رحل عبدالوهاب قبل ثلاثين سنة، لكنه ما زال يسكب علينا عطر حكمته وموسيقاه الرفيعة من قرن إلى آخر.