رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

 

يظن كثير من المصريين، وبعض الظن إثم، أن ظهور الفضائيات فى العشرين عامًا الأخيرة هو الذى جعل الناس تقبل على الفنون وتحتفى بها طوال شهر رمضان المبارك، حيث يتابع الملايين تدفق المسلسلات والفوازير والبرامج الكوميدية.

أقول هذا الظن خطأ تمامًا، فالمصريون عشقوا الفنون وأبدعوا فيها منذ الأزل، أى قبل أن يعرفوا الطريق إلى الإسلام وشهره المقدس، لأن أعيادهم الدينية القديمة وطقوسهم العقائدية المتوارثة منذ آلاف السنين اقترنت بالغناء والموسيقى وترديد الأناشيد كما تؤكد ذلك الرسوم الجدارية فى المعابد وما دونوه فى أوراق البردى، لذا لا عجب ولا غرابة أن يكون للشهر الكريم مذاق خاص فى مصر المحروسة، فقد استقبل المصريون الإسلام قبل 1400 عام، فمزجوا تعاليم الدين الجديد (الإسلام) بخبراتهم المتوارثة فى سبك الطقوس الدينية بدنيا الفنون وتنويعاتها الجميلة. وأشهد أننى قضيت بعض أيام رمضان ولياليه فى أكثر من بلد عربى ومسلم، فلم ألمس هذه الحفاوة الفنية الباذخة برمضان إلا فى بلدنا الحبيب.   

من هنا لا أستغرب هذا العدد الهائل من (السلع) الفنية المختلفة التى يحرص صانعوها على عرضها فى رمضان، فجمهور رمضان مستعد نفسيًا بكل جوارحه لاستقبال الدراما والبرامج الخفيفة، ولعل ما كتبه محرر مجلة (المصور) فى عدد 8 مارس عام 1929، أى قبل وجود التليفزيون والإذاعة، يؤكد لنا هذا الولع بالفن فى ليالى رمضان. يقول المحرر بالنص: (يظهر أن لشهر رمضان فضلا كبيرًا على الفنون فوق ما له من فضل على صائميه، فما كاد ينبثق هلاله فى الأفق حتى ازدانت أماكن الغناء بثريات الكهرباء. وانطلق الروادإ لى ساحاتها يقضون الهزيع الأول من الليل فى ترويح النفس وإجلاء صدأ الخاطر بما يرسله أرباب الأصوات من رنين أصواتهم وجميل تغريدهم. ولم تفتنى الفرصة فقد لبيت نداء تلك الحاسة السمعية، فولجت بعض الدور فى ليال مختلفات من هذا الشهر المبارك).

أما السيدة أم كلثوم فلم تتوقف عن الغناء والتغزل فى الحبيب فى ليالى رمضان، وإنما حرصت على تقديم حفلاتها الشهيرة فى هذا الشهر الفضيل. وأرجو أن تنصت إلى ما يقوله مذيع الراديو فى تقديمه لأم كلثوم وهى تشدو للمرة الأولى عام 1958 بقصيدة (قصة الأمس) التى كتبها الشاعر أحمد فتحى. يقول المذيع: (سيداتى وسادتى مساء الخير. نحييكم من مسرح حديقة الأزبكية بالقاهرة لنقدم لكم الحفلة الشهرية التى تقدم فيها إذاعة الجمهورية العربية المتحدة من القاهرة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم. أقبل الكثيرون إلى هذا المسرح واتخذوا أماكنهم واستعدوا وتأهبوا لسماع أم كلثوم فى أولى أغنياتها فى هذا الحفل الساهر الذى نقضى معه جميعا الليلة سهرة طيبة... سهرة من السهرات التى تقدمها إذاعة الجمهورية المتحدة لمستمعيها لتدخل إلى قلوبهم الفرحة والبهجة والنشوة فى هذه الليالى الطيبة المباركة من ليالى شهر رمضان الكريم... أولى أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم هذه الليلة هى قصة الأمس).

أما السينما المصرية، فلم تجد أية غضاضة فى عرض الأفلام الجديدة فى رمضان. حدث ذلك منذ ثمانين وسبعين وستين عامًا قبل أن تسطو الأفكار المتشددة على عقول الملايين، فتعلن أن الفن حرام، وتغلق دور العرض أبوابها فى رمضان. فقد ذكرت فى كتابى (السينما المصرية فى رمضان) الصادر عن سلسلة كتاب اليوم/ 2018 أن فيلم (تاكسى حنطور) على سبيل المثال، تم عرضه للمرة الأولى فى 23 رمضان الموافق 3 سبتمبر 1945، والفيلم بطولة سامية جمال ومحمد عبدالمطلب، وهو يحتشد بالرقص والأغانى بطبيعة الحال!

ألم أقل لك إننا نحن المصريين عاشقو الفنون سواء كنا فى رمضان أو شوّال أو طوبة أو أمشير!