رؤى
فى نهاية الثمانينات، ربما سنة 1987 أو 1988، كنت محررا فى الصفحة الثقافية بجريدة الوفد، تلقيت اتصالا على تليفون الجريدة، وكان مقرها فى حى المنيرة، كان المتصل أحد المهندسين الشباب، طلب مقابلتى للحديث عن شارع المعز لدين الله، التقينا فى مكتبه، اظن أنه كان فى حى المهندسين، على ما أتذكر كان اسمه محمد، وكان شقيق احدى المطربات أو الفنانات، ربما كانت الفنانة إيمان الطوخى، الله اعلم واعتذر لضعف ذاكرتى. كل ما أتذكره أنه كان فى الثلاثينيات من عمره، كان وسيما ومثقفا ويعشق الأثار، هذا المهندس هو صاحب فكرة تحويل شارع المعز لدين الله إلى متحف.
فرد على مكتبه عدة خرائط للشارع، استخرجها من هيئة الآثار ومن هيئة المساحة، كان يعشق الشارع، كان يراه متحفا إسلاميا، يضم العديد من الآثار لمختلف العصور الإسلامية، طلب منى أن أتبنى الفكرة، يغلق الشارع أمام السيارات، وتقوم هيئة الآثار بترميم الآثار الموجودة به، وتحويله إلى متحف مفتوح للسياح وعشاق الآثار الإسلامية.
أتذكر أيضا أنه لم يكن يسعى لنشر تصريح أو صورة او حتى أن أذكر اسمه، كل همه أن تصل فكرته إلى الحكومة، ويتبناها وزير الثقافة، أجريت معه يومها حوارا حول الشارع، واتيحت له الفرصة لكى يشرح فكرته، ونشرتها فى الصفحة، وكانت تصدر يوم الإثنين من كل أسبوع، ربما يوم الثلاثاء.
وقبل ان أغادره اهدانى خرائط الشارع، وقائمة بالآثار الموجودة به، ابتداء من شارع القلعة، منطقة المغربلين، وحتى شارع جامع الحسين، مرورا بالخيامية، مسجد الحكام بامر الله، بيت السحيمى، باب الفتوح، الجامع الأقمر، سبيل وكتاب عبدالرحمن كتخدا.
وكنت اعرف كل حجرة فى الشارع، فقد كانت اسرة زوجتى تسكن فى الحلمية الجديدة، وكان لى زميل بالكلية يسكن فى منطقة قيسون، وكنت خلال شهر رمضان الكريم، أقوم بجولة فى شارع المعز، اخرج من شارع على مبارك إلى شارع القلعة، ومدخل شارع المعز لدين الله بالمغربلين، كان الشارع سوقا كبيرا، رغم حرارة الجو كنت أتجول فى الشارع اتفرج على الآثار وعلى الأسواق، وكنت أدخل المساجد المفتوحة أصلى فيها ركعتين، وقبل جولتى فى شارع المعز، كنت أقوم بجولة فى شارع الصليبة، ابتداء من السيدة زينب وحتى سبيل ام عباس.
بعد فترة تبنى وزير الثقافة فكرة تحويل شارع المعز لدين الله إلى متحف، وبالفعل أجريت ترميمات للآثار، وتم اغلاق الشارع أمام السيارات، وفتح امام السياحة، والفضل بالطبع يعود لصاحب الفكرة، المهندس محمد، هذا للتاريخ، وأعتذر لعدم تذكر اسم صاحب الفكرة، السن والمرض والسنين.