رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

هل هى مصادفة أن يكون أول عروض فرقة رمسيس المسرحية باسم (المجنون)؟ ذلك أن صاحب الفرقة ومؤسسها ابن الذوات والباشوات يوسف بك وهبى يعد مجنونا بمعايير ذلك الزمان، فما أن استلم ميراثه من والده عبدالله باشا وهبى، وهو عشرة آلاف جنيه عام 1921، حتى هرع لتأسيس فرقة مسرحية وشراء مسرح يقدم عليه عروض هذه الفرقة.

لم يتردد أحد آنذاك فى وصف يوسف بالشاب المجنون (مولود فى 1898)، ذلك أن مبلغ عشرة آلاف جنيه يعد ثروة ضخمة جدًا بمعايير ذلك الزمان (المدرس نجيب الريحانى فى فيلم غزل البنات كان يتقاضى ستة جنيهات فقط عام 1949)، لكن ليس على العاشق حرج، ويوسف واحد من أكابر عشاق المسرح فى بلادنا ونوابغهم.

المهم، فى 10 مارس من عام 1923 افتتح مسرح رمسيس أول عروضه بمسرحية (المجنون)، حيث ظلت أنوار هذا المسرح تتلألأ من عقد إلى آخر حتى عام 1961، وهى أطول مدة زمنية عاشتها فرقة مسرحية مصرية خاصة منذ عرفنا الطريق البديع إلى المسرح فى منتصف القرن التاسع عشر.

لاريب فى أن الفضل فى نجاح فرقة رمسيس واستمرارها يعود إلى ذكاء مؤسسها وصاحبها النجم موفور السمعة، فيوسف وهبى امتلك إرادة من حديد، عززتها دراسته لفنون المسرح والسينما بإيطاليا التى توجه إليها عام 1918 وعاد عند وفاة والده ليرث المال الوفير فيحقق أحلامه فى دنيا التمثيل.

لماذا ينبغى أن نحتفل بمئوية مسرح رمسيس؟ لأن المسرح قبل ذلك التاريخ لم يكن يتمتع بتقاليد راسخة، رغم أن الربع الأول من القرن العشرين شهد ظهور فرق مسرحية عديدة وتألقها نسبيًا ومن أشهرها فرق جورج أبيض وسلامة حجازى وعزيز عيد ونجيب الريحانى وعلى الكسار وأولاد عكاشة وعبدالرحمن رشدى وغيرهم، لكن كل هذه الفرق كانت تفتقر إلى النظام الإدارى الحديث الذى يكفل لها النجاح والاستمرارية، وقد ذكر يوسف وهبى فى مذكراته (عشت ألف عام) التى نشرتها دار المعارف أنه كان يتأسى حين كان شابًا صغيرًا وهو يشاهد المخرج الرائد عزيز عيد جالسًا فى مقهى رث الثياب بائس الحال بعد أن خسر نقوده وحل فرقته.

من هنا تأتى الأهمية الكبرى لمسرح رمسيس، بوصفه أول مسرح مصرى ينهض على التقاليد الأوروبية الحديثة فى إنشاء الفرق المسرحية كما لاحظ بحق الدكتور على الراعى فى كتابه المهم (المسرح فى الوطن العربي). ففى مسرح رمسيس عرف الممثلون والفنيون فضيلة الانضباط الصارم وأهمية عقود العمل والبروفات المنتظمة والمواعيد المقدسة لفتح الستار وأحدث أساليب الدعاية إلى آخره، الأمر الذى انعكس بالإيجاب على مجمل الحركة المسرحية الناهضة حينئذ.

لا يغيب عن فطنة اللبيب أن ثورة 1919 كانت وراء هذه النهضة المسرحية كما فى مجمل مجالات الفكر والفن والإبداع، حيث اشتد ساعد المصريين وأدركوا قوتهم وقدرتهم فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى، مع الاعتراف بأهمية العمل الدؤوب للحاق بركب الحضارة الحديثة التى انطلق قطارها فى أوروبا. من هنا ينبغى الحفاوة بيوسف وهبى ومسرح رمسيس، ولعلك تعلم أن هذا الفنان الرائد هو الذى أنتج أول فيلم مصرى ناطق وهو (أولاد الذوات) الذى لعب بطولته أمام أمينة رزق، وعرض فى 1932، أى أنه غامر بأمواله من أجل تدعيم صناعة السينما الوليدة آنذاك.

لذا، أطالب الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة بتنظيم احتفالية كبرى تليق بيوسف وهبى الذى وصفه الناقد الكبير كمال رمزى فى كتابه (نجوم السينما العربية... الجوهر والأقنعة) قائلا: (أفسح لنفسه واسمه مكانا واضحًا على خارطة التاريخ، وثبت هذا المكان بإرادته التى جبلت من حديد).

باختصار... يوسف وهبى نهر عذب تدفق فى أرض الفن المصرى.