رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قامات.. وآهات

 

 

رحل وترك للمكتبة العربية عشرات الدواوين الشعرية ما زالت محفورة في أذهان عشاق شعر التفعيلة الحديث ونفوسهم، وقد ترجمَ غالبيتها إلى عدد من اللغات كالإنجليزية والألمانية والإسبانية، بسبب ما كان يقدم في قصائده من ملامح وقيم إنسانية وسياسية ما زالت تستعاد في مختلف الأحداث.

ولد أمل دنقل عام 1940، وسرّ تسميته، هو أن والده كان من علماء الأزهر الشريف وقد حصل في العام الذي ولد فيه "أمل" على إجازة العالمية، فقرر أن يسمي مولوده الجديد بهذا الاسم تيمناً بالنجاح الذي حققه وهو أعلى مؤهل ديني أزهري يتصل بدراسة اللغة العربية والعلوم الشرعية.

و في عام 1950 شاءت الأقدار أن يرحل والده عن الحياة بعد صراع مع المرض، ليصبح أمل هو رب هذه الأسرة المكونة من 3أشقاء ووالدته ,ومع ذلك كله تحمل المسؤولية كاملة وأصبح يلعب دور الأب بامتياز.

وكان الوالد قد ترك مكتبة عظيمة من أمهات الكتب والمراجع والمعاجم، والتي لعبت الدور الأكبر في النشأة الثقافية للشاعر الراحل، الذي كان عاشقاً للقراءة إلى حد الالتهام، فكان يكاد لا يخرج من مكتبة والده إلا للنوم أو تناول الطعام، وكثيراً ما تقمص الطفل اليتيم أمل دنقل دور الأب العالم الأزهري، عندما كان يخطب الجمعة ويلقي قصائد المدائح النبوية خلال المناسبات الدينية في القرية.

قرر أمل  أن يكون شاعراً ولذلك سأل أحد معلمي اللغة العربية كيف يصبح كذلك ومتميزاً؟ فقال له "من أن أراد أن يكون شاعراً فليحفظ 1000 بيت من بطون الشعر العربي، وليدرس علم العروض"، منذ ذلك الوقت عكف أمل دنقل على حفظ 1000 بيت من دواوين الشعر والأداب العربية، وباتت تلك المهمة شغله الشاغل بل كان يترك تحصيل بعض المواد الدراسية من أجل إتمام هدفه، ليكون مثل والده، وليتمكن وهو في الصف الثالث الثانوي من كتابة الشعر العمودي، وسط إشادة من جميع معلمي اللغة العربية.

و سر عبقريته تتمثل في أنه نموذج حقيقي للحداثة العربية التي تستهلم التراث العربي باحتراف، ورغم أنه  توفي في سن 43 غير أنه حفر اسمه في المكتبة الشعرية العربية، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية , وكرّس  شعره للقضايا الإنسانية والعربية.

و حافظ "دنقل" على الصدق فوصل إلى الجمهور، وعلى القصيدة فوصل إلى النقاد، وربما ساهم  الجو السياسي في حقبة الستينيات والسبعينيات المتمثل في مصادرة القصائد السياسية  في انتشار شعره بين العوام والبسطاء، الذين رأوا فيه الشاعر الأقرب إلى قضاياهم وكانت قصائده بمثابة المنشور الثوري".

وكان إنتاج "دنقل " شاهداً على العصر بامتياز، وعلى تلك الحقبة على وجه التحديد، لأنه كان يحرص على تجسيد الأحداث السياسية، فعبّر عن نكسة 67 التي احتلت فيها إسرائيل شبه جزيرة سيناء بقصيدة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، وعبّر عن هموم الحركة السياسية لطلاب الجامعات في قصيدة "الكعكة الحجرية" وكان أحد أعمدة السواري حيث يجتمع حوله الطلاب في ميدان التحرير في بداية السبعينيات، لمطالبة الرئيس محمد أنور السادات بتعجيل معركة استرداد سيناء من إسرائيل، ولعل أفضل ما كتبه، قصيدة "لا تصالح" تعقيباً على معاهدة إبرام الرئيس اتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل.

وكان يحترف استخدام الرموز والأقنعة في شعره، ما يستدعي شخصيات تاريخية ودينية كـ "سبارتاكوس – الإسكندر الأكبر- الحسين بن علي – الحلاج – زرقاء اليمامة – يهوذا – هارون الرشيد – جليلة بنت مرة" لمعالجة واقع معاصر وقضايا حديثة، وليخلق امتزاجاً مثيراً بين الماضي والحاضر".

كان لا يعرف الخوف، صخرياً شديد الصلابة، لما اكتشف إصابته بالسرطان لم يهتز قط، بل واجه تلك المرحلة بشجاعة كبيرة أدهشت كل من حوله، وحين تمكنت الأورام السرطانية منه قرر الأطباء أن يقيم مدة عامين تحت الرعاية الطبية في معهد الأورام في الغرفة "رقم 8"، حيث نضجت موهبته، وقدم للمكتبة الشعرية أفضل ما كتب من شعر عربي في مواجهة الموت والمرض.

وكان  إنتاجه في فترة المرض غزيرا، مقارنة بالسنوات السابقة ، إذ قدم في هذه المرحلة ديوانه المميز "أوراق الغرفة رقم 8"، الذي سجل فيه مرحلة مواجهة الموت والمرض في معهد الأورام، على الرغم من حالته الصحية المتأخرة، ولم يستطع المرض أن يوقفه عن الكتابة حتى أن الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي قال عن ذلك "إنه صراع بين متكافئين، الموت والشعر".

عدداً من الأعمال الأدبية التي تركها شقيقه ولم تخرج للنشر حتى الآن، وأشار إلى أن الأعمال  التي لم تنشر هي مسرحية شعرية بعنوان "الخطأ" و20 قصيدة غالبيتها قصائد غزلية، ما زالت تبحث عن فرصة للطباعة تناسب القيمة الشعرية للراحل، علماً أن أرملته تحتفظ  بمسرحية لم تنشر أيضاً بعنوان "الحاكم بأمر الله".

لم يسع دنقل إلى التكريم طيلة حياته، كما كرم رفيق دربه الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي الذي أطلق اسمه على أحد ميادين مدينة الإسماعيلية التي كان يسكنها مع أسرته، إلا أن أسرته ترى أن التكريم الأكبر الذي حاز عليه هو حب جماهير الشعر في العالم وتقديرهم له، فسنوياً يزور قبره، أدباء وشعراء ونقاد من دول العالم الغربي والعربي، كتونس والجزائر والمغرب ولندن وأميركا وسويسرا، تعظيماً لإنتاج يستدعي الفخر.

وكان  آخر ما كتبه دنقل قبل رحيله قصيدة "الجنوبي"، وتكتنفها رؤية فلسفية عميقة للموت والحياة، ليرحل بعدها بساعات قليلة في فى 21 مايو 1983، ويدفن في بلدته طبقاً لوصيته التي تركها للدكتور جابر عاصفور والشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي.

 

[email protected]