عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، يعيش إقليم «ناجورنى كراباخ» على صفيح ساخن، بعد أن أصبح قنبلة موقوتة فى قلب القوقاز، ومسرحًا للاعبين إقليميين ودوليين.. يحاولون «التهدئة» لحقن الدماء، وحل النزاع، لكن على طريقتهم ووفقًا لأهدافهم.

ورغم إنشاء مجموعة «مينسك» فى العام 1992، لحل النزاع بين الجارتين اللدودتين، أذربيجان وأرمينيا، إلا أن جهودها باءت بالفشل الذريع فى التوصل إلى حلول عملية أو خارطة طريق تُسهم فى إنهاء الصراع بينهما.

ويبقى النزاع حول «ناجورنى كراباخ» مثالًا واضحًا للصراعات المحلية القائمة على خلفيات الاختلاف العرقى والثقافي، الذى يتم إذكاؤه بالتدخلات الخارجية، التى تقوم بعملية تصفية حسابات وحروب بالوكالة.

تاريخيًا، هذا الإقليم «الجريح» انتقلت السيادة فيه بين عدة ممالك وإمبراطوريات.. بدءًا بالفارسية، ومرورًا بالعثمانية، ثم الروسية، وليس انتهاء بالسوفيتية، لكن يمكن تأريخ جذور الصراع فى العصر الحديث إلى أكثر من قرن مضى، حيث أصبح بؤرة للتنافس الكبير على النفوذ بين المسيحيين «الأرمن»، والمسلمين «الآذريين».

إقليم «ناجورنى كراباخ»، الذى يُطلق عليه الآذريون مرتفعات الحديقة السوداء، أو «أرستاخ» بحسب وصف الأرمن، بات منطقة ملتهبة لصراعٍ دامٍ متجدد، ولعل ما يجعل هذا التنازع عَصِيًا على الحل، هو تشبث كل طرف بحقه فى الإقليم، فأرمينيا تؤكد أنه جزء من أراضيها نظرًا لهوية غالبية السكان، فيما تتمسك أذربيجان بحقها الطبيعى والجغرافى كجزء يتوسط أراضيها ويقع داخل حدودها.

المفارقة العجيبة أن الأزمة لم تعد أيديولوجية كما كانت فى السابق، فأذربيجان «ذات الأغلبية الشيعية» تحظى بدعم غير محدود وتأييد مطلق من تركيا «السُّنِّية»، إضافة إلى علاقاتها الوثيقة مع «إسرائيل» وأمريكا، فيما تساند أرمينيا، كلًا من روسيا وايران «الشيعية» ومعظم دول أوروبا، خصوصًا اليونان.

لقد تعايش المسيحيون الأرمن، والآذريون المسلمون، فى هذا الإقليم «المشتعل»، بسلام نسبى لفترة طويلة، حتى بعد أن أصبح جزءًا من الإمبراطورية الروسية فى القرن التاسع عشر، إلى أن شهد أعمال عنف وحشية ارتكبتها عناصر من الجانبين فى أوائل القرن العشرين.

ولكن، بانتهاء الحرب العالمية الأولى وتشكيل الاتحاد السوفيتي، جرى الإعلان عن حكم ذاتى فى إقليم «ناجورنى كاراباخ» الذى تسكنه أغلبية أرمنية داخل حدود جمهورية أذربيجان، المسلمة السوفيتية السابقة.

ومع تراخى القبضة السوفيتية فى العام 1988، تطورت الخلافات بين الأرمن والآذريين إلى أعمال عنف وتطهير عرقي، بعد تصويت برلمان الإقليم لصالح إعلان الاستقلال والانضمام لأرمينيا.. ترافق ذلك مع بدء هجمات مسلحة وتطهير عرقى متبادل فى أذربيجان وأرمينيا، أسفرت عن مقتل آلاف الاشخاص فى مذابح بشعة، ونزوح نحو مليون شخص من الجانبين.

ورغم الأعراف القانونية التى تعطى الحق لأرمن «ناجورنى كاراباخ» فى تقرير مصيرهم، كما لأذربيجان الحق فى الحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها، فإن الأمر بات مفضوحًا لصراع المصالح وإمدادات خطوط الغاز فى القوقاز.

إن استمرار الصراع الدامى فى إقليم «ناجورنى كاراباخ»، سيفجر كثيرًا من الملفات والصراعات الإقليمية والدولية، ولذلك نأمل فى أن تسود لغة الحوار والمفاوضات الحقيقية والجادة بين الآذريين والأرمن، للوصول إلى حل يُرضى الطرفين، والعيش فى أمن وسلام.

أخيرًا.. نعتقد أنه مهما طال الزمن، فالنتيجة الحتمية لأى حرب هى الجلوس على طاولة المفاوضات والخروج بمعاهدة سلام، وإلى أن يتحقق ذلك سنظل مترقبين فى أى جبهة جديدة ستتفجر الأوضاع، ومن سيكون الضحية الجديدة؟!

[email protected]