رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

تأملات

العدو لغةً اسم من المصدر «عدا»، وهو ذو العداوة، وعكسه صديق، أى الذى يأتى سلوكًا يتسم بالعدوان، ومن هنا جاء المثل الشعبى بأن «رش المية عداوة»، بمعنى أنه تعبير عن سلوك عدوانى يقوم به طرف تجاه آخر. ورغم أن العدو مصطلح نسبى، يتوقف تحديد صفته على هذا النحو حسب زاوية النظر إلى من يتم إطلاق تلك الصفة عليه إلا أنه مما يقيد من تلك النسبية الحالة التى عليها العلاقة بين الطرفين اللذين يدرجان فى مفهوم علاقة العداء حين تسود اختلافات جوهرية تجعل مصالح الطرفين متناقضة ويمثل تحقيق أى منها لطرف خصما من الطرف الآخر.

والعداوة مراتب فهناك الخصم وهو ليس عدوًا بالمعنى الكامل وإن كان يمكن أن يدرج بهذه الصفة فى أولى درجات العداء، وهناك العدو المحتمل الذى قد تمثل مصالحه المستقبلية خطرا على الآخر وقد لا تمثل. وأقصى درجات الخصومة هو من يمكن أن يطلق عليه «عدو استراتيجي» وهو الذى تتباين مصالحه وأهدافه معك على طول الخط، إنه أشبه بخط القطار الذى لا يمكن أن يتلاقى مع نظيره على الإطلاق!

وفى حياة الدول والشعوب والأفراد، فإن العداوة شىء مثل ملح الطعام ربما لا يمكن الاستغناء عنه، إنها من طبائع الأشياء وحقائق الحياة ولو لم يجد هؤلاء – أفرادا أو شعوبا–عدوا لاخترعوه! وإذا كان الطابع النفسى يفرض نفسه فى أسباب العداوة بين الأفراد، فإن المصالح المادية هى التى تتسيد هذا النوع من السلوك على مستوى الدول. وعلى غير ما يتصور الكثيرون فإن هناك فرقا كبيرا بين الكراهية والعداوة رغم وجود تصور بضرورة ارتباطهما، فإدراك الفرد أو الدولة للاندراج فى علاقة عداوة مع آخر لا تفرض بالضرورة كراهية وإنما تفرض تجاوز هذا العدو والتفوق عليه بما لا يجعل له اليد الطولى.

الأمثلة كثيرة وتاريخ الإنسانية ملئ وحافل بالحالات التى يعجز المرء عن حصرها أو وصفها من العداء والعداوات التى أجهزت على حضارات وأقامت أخرى وأزالت «عروش» ملوك وأمراء فى منطقتنا العربية وفى غيرها، لم يكن يتصور أصحابها أنهم زائلون عن كراسيهم وأتت بآخرين.

على مستوانا العربى يمكن لك أن تشعر بالدهشة من حالة البلبلة التى تسود فى بعض فضاءاتنا الإنسانية والفكرية والسياسية بشأن طبيعة العدو الذى نواجهه رغم كل الحقائق التى تؤكد على أن إسرائيل هى العدو الاستراتيجى للعرب، بعيدا عن طبيعة الظرف الذى قد يتطلب فى منظور البعض محاولة القفز على هذا التصور!! وإذا كانت السياسة هى فن التعامل مع الواقع وبالتالى فإن مظاهرها ليست بالضرورة مؤشرا على حقيقة الأشياء فإننى يمكننى التأكيد، مع هامش من الخطأ بالغ المحدودية أسوقه فقط للترضية، أن إسرائيل فى منظور الأمن القومى المصرى ما زالت تمثل العدو.

تقدم العدو ليس شرطا أو مطلبا، كما ذكر كاتب خليجى شاب، لانتفاء تلك الصفة عنه، فالصين المتقدمة والتى تنافس الولايات المتحدة على قيادة العالم، تكتسب صفة العدو من هذا الجانب، حيث إن واشنطن تشاكسها وتجر شكلها وتعاديها لأنها متقدمة وللإجهاز على تقدمها.. خذ مثلا معركة تكسير العظام التى تمارسها ضد شركة هواوى! ولا ينبغى أن يجعلنا ذلك نخدع أنفسنا بأننا يمكن أن نستفيد من تقدم العدو «الإسرائيلي» دون أن يتجاوز ذلك كونه مبررا لتسويق رؤية تتعلق بما هو أبعد!

ولو صح هذا المنطق مثلا لوجب علينا الاستفادة الكاملة باستعارة الصيغة الديمقراطية فى إسرائيل مثلا! وإلا لكنا نقوم بعملية انتقائية فى الاستفادة من العدو ضمن محاولة تبريرية خائبة! ومن أسفٍ أن يطالب مثل هذا الكاتب – لا فض فوه–بالانفتاح على إسرائيل التى تشبهنا فى الجغرافيا والبيئة والظروف دون أن يدرك أو متغافلا عن أن تلك الجغرافيا والبيئة هى جغرافيا وبيئة عربية تمثل فلسطين التى اغتصبتها إسرائيل. كما أن من الخطأ والخطل فى الوقت ذاته أن يخرج علينا مسئول كان يتولى يوما منصبا أمنيا كبيرا فى دولة عربية بترهات من قبيل أن إسرائيل جزء من المنطقة العربية.

فى تصورى أن هذا الفهم المغلوط لا يعكس، وأرجو أن أكون مخطئا، سوى حالة من التسطيح السياسى وتزييف الوعى إن لم يكن من الجهل فى بعض الأوساط.. وهى حالة مطلوب تسييدها باعتبار ذلك من متطلبات المرحلة.. والله سبحانه وتعالى أعلم!

[email protected]