رؤى
لفت انتباهى منذ فترة الإعلانات التى تبث على بعض القنوات الفضائية عن طلب أفراد أمن لبعض القرى أو المنشآت فى المدن الجديدة، مرتب فرد الأمن يبدأ من 7 آلاف ويصل 9 آلاف جنيه فى الشهر، اضافة إلى وجبة يومية، وسكن مجانى، وتأمينات اجتماعية وصحية، والإعلان مفتوح لجميع حامل الشهادات.
كلما قرأت الإعلان لعنت حظى أنا وأغلب من عملوا فى الصحافة، لأن أجيالنا التى التحقت بالعمل فى بداية الثمانينات مرتباتها لم تتجاوز الـ 80 جنيها، صحيح كانت بحمد الله مع ربط الحزام، وترشيد النفقات، واستدانة بعض الجنيهات شهريا، كانت تكفى لسد احتياجاتنا الأساسية، ايجار شقة، فواتير الكهرباء، المياه، الغاز، المواصلات، الطعام، وأذكر أننا كنا ومازلنا نعمل بسعادة وجهد طوال أيام الأسبوع، وكنا ننفق من هذا المبلغ الصغير على عملنا، بشراء الكتب والمجلات والمواصلات، وأغلبنا كان يذهب إلى مصادره او الوزارة التى يغطيها بمواصلات على نفقته الشخصية، كما كنا نتواجد فى الجريدة طوال اليوم وجزءا من الليل، وفى حالات الطوارئ والأزمات التى تمر بها البلاد ننام فى الجريدة.
المؤسف بعد مرور هذه السنوات لم تتحسن حالة الصحفيين، ومازالت مرتباتهم متدنية جدا، فاغلب مرتبات الشباب تبدأ من 500 جنيه، وهو مبلغ لا يكفى حتى مواصلاته ذهابا وايابا إلى الجريدة يوميا أو خمسة أيام فى الأسبوع، ناهيك عن تكلفة اتصالاته بمصادره، وانفاقه على تثقيف ذاته، وطعامه وملابسه.
والمتابع لحالة اغلب الصحفيين الشباب فى الصحف المصرية، يعرف جيدا تدنى مرتباتهم بشكل مهين، وأن بعض الزملاء تجاوزوا أكثر من 20 سنة بصحفهم ومرتباتهم لم تصل 3 آلاف جنيه، وهو ما يدفعه للبحث عن عمل أخر يعينه على تلبية احتياجات أولاده وبيته.
ومن طريف الذكريات فى هذا السياق، اتذكر ونحن فى بداية شبابنا انا وبعض الأصدقاء، فكرنا على سبيل الممازحة فى الوقوف بعربة كبدة، فقد كنا نذهب لتناول وجبة الغذاء فى بعض الأيام على عربة كبدة، كانت تقف فى حى المنيرة، وفى أحد الأيام اقترح أحد الزملاء، وأظنه الكاتب العزيز منتصر جابر، أن نشترك فى عربة كبدة، ونقف بها فى الفترة المسائية، وناقشنا الموضع بشكل فيه طرافة، واخترنا من بيننا من يلبس المريلة ويقف لغسل الأطباق، ومن نرسله لشراء العيش من المخبز، ومن نكلفه بشراء الكبدة، ومن يشترى البهارات والخضراوات والمخللات، وكنا نلقى النكات والقفشات على كل منا، واعتقد على ما أتذكر أن العزيز منتصر اختار لنفسه وظيفة شاقة جدا، وهى أن يقف على العربة منتحلا دور زبون ويأكل السندوتشات.
بالطبع ليس هناك وجه للمقارنة بين وظيفة الحارس والمرتب الذى يتقاضاه ووظيفة الصحفى وما يتقاضاه، لكل وظيفة صعوبتها وقدرها، لكن أحببنا ان نسلط فقط الضوء على المعاناة التى يعيشها أغلب الصحفيين الشباب فى الصحف المصرية، وننتهز الفرصة ونطالب النقابة والحكومة والمجلس الأعلى للاعلام بإعادة النظر فى دخل أولادنا الشباب فى المؤسسات الصحفية الحكومية والحزبية والخاصة، أضعف الإيمان يبدأ حياته بنصف راتب حارس الأمن.