رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى رحيل اثنين من أعظم وأنبل زعماء الوطن، هما سعد زغلول، ومصطفى النحاس زعيما الوفد. وكأن إرادة الله شاءت أن تبرهن على كونهما سارا فى الطريق ذاته، بصدق وإخلاص فجاء رحيلهما فى اليوم نفسه، الثالث والعشرين من أغسطس، رغم فروق الميلاد، والعمر، والزمن.

أيام تفصلنا عن ذكرى زعيمى الوفد اللذين رسما طريقا من الرؤى والتصورات والمواقف الوطنية الشجاعة، واستحقا الخلود، ما يدفعنا أن نذكرهما دوما بالخير، ونتأمل سيرتهما العطرة بمحبة بحثا عن دروس باقية وصالحة لكل جيل.

إننى أقف كثيرا لأفكر متأملا ما سر خلودهما كل هذه الأزمنة؟ ما أبقاهما جديرين بالإشادة والذكر الطيب حتى فى متون كُتب الخصوم؟ ما جعل سعد يبقى شامخا فى أذهان المصريين، وما جعل النحاس يُستدعى دوما كنموذج نادر للشرف والنزاهة والنبل؟ ما تميزا به فاستحقا رضا الناس، وإنصاف المؤرخين جيلا بعد آخر؟

فى تصوري، فإن السر يكمن فى الإيمان الكامل لدى الزعيمين بأن وظيفة الزعيم هى خدمة الأمة، العمل للناس، وبهم، وتنحية حياتهم، مصالحهم الشخصية، مكاسبهم المشروعة، وطموحاتهم الطبيعية جانبا، وأن يعملوا ويضحوا ويحيوا فقط من أجل الأمة، ولا شئ آخر.

قُلت من قبل إن الوفد لم يكن مجرد حزب سياسى حاضن لتشكيلات تنظيمية، وإنما كان بيتا حقيقيا للأمة كلها، يُعبر عن صوتها، ويتألم لأوجاعها، ويطرح تصوراتها ويعمل على تحقيق طموحاتها وأمانيها. بهذا التصور بذر سعد البذور الأولى لشجرة الوفد، وبالتصور ذاته، رعى النحاس سيقانها وفروعها السامقة، لتمتد وتنتعش وتُظلل بنى مصر جميعا.

إن إطلالة سريعة على سيرة سعد زغلول تكشف كيف كان يشعر الرجل بالقوة والغلبة فى مواجهة أقوى القوى، لأنه يستند إلى الأمة المصرية العظيمة والتى يعرف قدرها ومكانتها، فهى تسبق ولا تُسبق، تقود ولا تُقاد، تعلو ولا يعلو عليها أحد، وهى نموذج للحق القطعى الثابت والصريح، وكل ما هو خلافها باطل. وهى أيضا الإرادة والتوحد والعزيمة والخير والعدل والتقدم والحرية. وهذه الأمة هى أمة مستقلة، تمتلك قرارها، وتأبى كرامتها أن تنقاد لفرد أو تخضع لسلطة أجنبية. وهى أمة متماسكة لا تُعانى من انقسامات عرقية أو دينية أو طبقية، تقف كالبنيان المرصوص أمام أى خطر، والجميع فيها لهم حقوق متساوية وعليهم التزامات وواجبات واحدة.

وإذا ما قرأنا سيرة الزعيم مصطفى النحاس، لوجدنا رجلا نزيها منكرا ذاته، لا ساعيا تجاه نفوذ، أو جامعا لثروة، أو لاهثا خلف شهرة، متفانيا فى خدمة وطنه بكل الوسائل الممكنة، معجونا بحب مصر، سائرا على درب الحرية والديمقراطية واحترام سيادة القانون دون توجس أو تردد. لا يخاف فى سبيل الوطن لومة لائم، أو غدر حاقد، أو خسة جاحد. يؤمن دوما، وأبدا  أن الأخلاق الحميدة هى التقوى الحقيقية، وأن السياسة التى لا أخلاق لها ليست سوى انتهازية كريهة لا تتلاءم مع حب الوطن.

 لقد كان الزعيمان رجلى قانون، يعلمان أن العدل هو أساس الحكم، بل إنه أساس كل شىء طيب، ومبتدأ كل صلاح، ومنبع أى تقدم وتطور. بالعدل يتحقق الرضا الشعبي، ويصطف الناس لدعم وإنجاح كل مشروع، وبه تعلو الأمم وتتقدم الشعوب وتحوذ العلم والريادة.

ملك الزعيمان قلوب الناس، بالصدق، والأمانة، ونصرة الحق، واحترام القانون، وصيانة الحريات، والإيمان بالمواطنة، فبقيا خالدين حتى فى ظل عصور سادها حكم الفرد، وتعرضا فيها للتشويه المتعمد. لم يقبل أحدهما بمساومات، ولم يرض بتخاذل، ولم ينحرف قيد أنملة عن مسار الشعب، ومطالبه، وأحلامه.

ونحن الآن نحتفل بذكرى الزعيمين، نرى أن كل خطوة نحو المستقبل المأمول، تحتاج التفاتة تأمل وتبصر لما غرساه من قيم ومبادئ فى مسيرة العمل الوطني، لنغترف سحرهما لخدمة الأمة.

وسلامٌ على الأمة المصرية.