عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

«موت شخص واحد كارثة، أما موت مليونين فقط فهو إحصائية».. جملة للكاتب والروائي الألماني المناهض للفاشية «إريك ماريا ريمارك» في روايته «المسلة السوداء»، تعود مجددًا إلى الواجهة بعد مرور أكثر من نصف قرن.

تلك المقولة الشهيرة تصلح أن تكون عنوانًا لما يحدث للإنسانية جراء تفشى وباء «كورونا»، الذي أصاب ما يقارب الخمسة ملايين إنسان، وقضى على أكثر من 310 آلاف حول العالم.

هذا الفيروس الذي غزا العالم من دون استثناء.. استهدف الجميع، غير آبهٍ بالجغرافيا، أو التفريق بين دولة عظمى وفقيرة، ليشكل أكبر تحدٍ يواجه البشرية في التاريخ الحديث.

الآن، بعد ستة أشهر من الوباء والعزلة، أصبحنا نحلم بالحياة في صخبها، رغم وطأة الموت التي تحاصرنا في كل مكان، فيما يشبه «قيامة جديدة»، بعد أن دفعت الجائحة بأكثر من نصف الإنسانية إلى الاختباء والحَجْر!

ربما كشف فيروس «كورونا» أشكال الخلل السياسي والاجتماعي، خصوصًا في بعض «الديمقراطيات العريقة» التي تصرفت بأساليب العصابات والمجرمين، وأظهرت بؤس البنى التحتية للصحة العامة، كما أظهرت أن أفكار الحقبة الاستعمارية لا تزال موجودة لدى الكثير من نخبها.

ربما خلَّف تفشي الوباء حالة غير مسبوقة من الهلع، لكنه في المقابل منحنا الفرصة لاختبار فكرة النهايات، بعد أن جعلنا «الفيروس» على تماسٍ مباشر وفي كل لحظة مع نهايات حقيقية.

لعل أول الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن جراء المأساة التي خلَّفها الوباء هو: هل ستعود الحياة طبيعية كما كانت وكأن شيئًا لم يكن، وماذا سيحدث بعد هذه الأزمة، وما الذي تعلمناه في ظل تداعيات كارثية لم يشهدها العالم من قبل؟

الإجابات تبدو صعبة على أيٍّ من المنظرين والمفكرين والفلاسفة.. أو حتى المنجمين، ووفقًا للنظرية الاقتصادية المعروفة «البجعة السوداء»، فلا أحد يستطيع التنبؤ بوقت حدوث الأزمة، أو مدة استمرارها، أو احتمال تكرارها في المستقبل القريب!

إن جائحة «كورونا» مثال واحد فقط على وباء لم يشهد العالم له مثيلًا منذ قرن، حيث استطاع أن يرسم مستقبلنا رغمًا عنًّا، ليغيِّر في وقت قياسي كل الخطط والبرامج، ويمنح المستقبل شيئًا من الغموض، في ظل محاولات دائمة لجعل المستقبل عبارة عن وجهة نظر قابلة للتطبيق!

كشف الوباء اللعين أن المستقبل ليس لنا وحدنا، وأن فكرة السيطرة وتحدي الطبيعة هي أحد أشكال العناد التي افتتح بها الإنسان في العصور الحديثة عهدًا مليئًا بالغرور والزهو والافتئات على الطبيعة والعلم.

لكن الحقيقة الوحيدة الثابتة اليوم هي أن عالم 2020 قد تغير تمامًا عن العالم الذي عشناه في 2019، ولذلك لا نتوقع أن يكون هذا التغيير مؤقتًا، وحتى لو كان كذلك فإنه سيظل إلى أن نعتاده ويصبح دائمًا، وبالتالي فإن الأجيال الناشئة ستراه في المستقبل مخاضًا لولادة عالمها الذي تعيش فيه.

في عالم ما بعد «كورونا» قد نشهد سيناريوهات شبيهة بما أعقب الحرب العالمية الثانية، بحيث يتقاسم المنتصرون النفوذ، ويتفاوضون على شكل هذا العالم والأسس التي سوف يتم إرساؤها، في كافة مناحي الحياة والعلاقات.

أخيرًا.. قد يتصارع «الكبار» بطرق وأساليب جديدة وبأهداف مستقبلية مختلفة، فيما ينتظر «الصغار» آملين اكتشاف العالم الذي سوف يجدون أنفسهم فيه لاحقًا، وبالتالي لا يمكن استشراف المستقبل أو التنبؤ بأحداثه، لأنه يبقى رهن تحولات كبرى مليئة بالمفاجآت والغموض.

[email protected]