قضية صناعة ثائر على غرار صناعة نجم هى علم سياسى اجتماعى يستخدم الإعلام والفن لتنفيذه وتحققه فكما فى الماضى كان هناك برنامج لصناعة نجوم وأبطال حتى وإن كانوا أنصاف موهوبين أو عديمى الموهبة الحقيقية ولكن شركات الصناعة السينمائية والإعلامية تستطيع أن تبرمج المتلقى وتخلق قصصاً وحكايات ومواقف تصنع منها نجماً أو بطلاً من ورق وما حدث فى ثورات الربيع العربى أكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد تمت عملية صناعة ثوار بنجوم لنقود ما يسمى بثورة التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة فبدأت شعلة الثورة فى تونس بمقتل محمد بو عزيزى وفى مصر بمقتل مروج المخدرات خالد سعيد وظهر أيقونة الثورة كما يسمونه آنذاك البرادعى ووائل غنيم وكان للإعلام دور فى رسم تلك الصورة لهؤلاء الذين قادوا مصر إلى حالة انقسام وفوضى ودمار حتمى والمتابع والدارس الباحث يستطيع أن يقيم ما تم تصنيعه إعلامياً لتقديم هؤلاء ورسم صورة وهمية كرتونية عنهم باعتبارهم شعلة الثورة ومنبر التغيير وانساق العديد من المثقفين وراء هذه الصور والتقديمات ويوجد العديد من الشباب مع من يمثلهم كما أوهمهم الإعلام من صحف وحوارات وبرامج ومقالات وأحداث وكتابات وأخبار تناولها المراسلون الأجانب فتصدرت الصحف العالمية فى خطة مدروسة بعناية لصناعة ثوار.
وما حدث أخيراً من فيديوهات المقاول «محمد على» الذى يدعى النجومية من جهة والوطنية من جهة أخرى فتلك أيضاً خطة سياسية تستخدم الإعلام وتلعب على أحاسيس ومشاعر الغضب أو بعض السخط داخل المجتمع المصرى من جراء عدم التواصل الحقيقى مع مشكلات المواطن المصرى اليومية والحياتية وليس فقط موضوع غلاء الأسعار وتضاؤل الطبقة الوسطى وإنما قضايا المرور و التعليم والصحة تأتى فى أولويات واهتمامات المواطن ولكن حالة الوعى التى وصل إليها المواطن المصرى جعلته يدرك سريعاً أنه ليس فى مقدوره اليوم أن تكون هناك الفوضى أو الثورة لأن الثورة لم تؤت ثمارها على حياته اليومية ومستقبله وإنما كانت حرب مصالح وكراسى لم يكن المواطن فى أولويتها وأن الثورة ليست هدماً للأوطان وتجريحاً للقيادات وأن جيش مصر يظل الأنقى والأشرف والأطهر.. وأن الثورة يقودها الفكر والعمل وليس الشعارات والهدم والتجريح والإهانة.. نحن اليوم أدركنا جميعاً حتى الشباب أن ما نحتاجه هو ثورة داخلية على التخلف والجهل والفقر و التعصب والمرض.. صناعة المواطن هى مهمة كل مصرى وقبلة مهمة الدولة بكافة مؤسساتها، صناعة المواطن القادر على الاختيار والمعرفة والإدراك وتقييم الموقف.. المواطن الواعى الذى يعرف من هو الثائر الوطنى ومن هو الخائن العميل.. المواطن القادر على التحمل إن عرف أن هناك تغييرا حقيقيا فى التعليم وأن هناك مكانا لأبنائه فى مدرسة آدمية ومستشفى صحي وتأمين صحى له حين يمرض دون الحاجة إلى وساطة أو محسوبية وأن منظومة التموين تعمل لأجل التكافل الاجتماعى بعد أن يؤدى كل واجباته تجاه الوطن.
صناعة مواطن متعلم مثقف يعرف كيف يفرق بين الفن الراقى و الانحدار والسقوط بدعوى النجومية والشعبية.. على كل أجهزة الدولة أن تدرك أنه قد آن الأوان لصناعة هذا الوطن وفق منهج وخطة وآليات يشترك فيها أهل الخبرة قبل أهل الثقة وإن عصراً تغنت فيه أم كلثوم للوطن لا يمكن أن يكون عصراً جديداً يتغنى فيه نمبر وان الأسطورة بالوطن وللوطن معبراً عن عظمة وكبرياء وشموخ مصر.. متى نبدأ.. وكيف نبدأ ومن يبدأ؟