عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

نواصل الحديث عن شعر الهجاء والغزل والتشبيب بالنساء الذى قتل عددًا من شعراء الجاهلية والإسلام، وفى كتاب الباحث سمير مصطفى فراج، تحت عنوان «شعراء قتلهم شعرهم» يلقى الضوء على عدد من هؤلاء الشعراء الذين سلكوا هذا السبيل الشائك، ولقوا حتفهم ضحية شعرهم.

 والكتاب يقدم نماذج لفطاحل الشعراء فى الجاهلية والإسلام؛ من أمثال المتنبي، وطرفة بن العبد، وبشار بن برد، ووضَّاح اليمن، وعبيد بن الأبرص، وكعب الأشقري، ويتضح من سطور هذا الكتاب أن هناك عوامل مشتركة من أغراض الشعر ساهمت فى مصرع هؤلاء الشعراء؛ أوَّلها الهجاء والمخاصمة، وثانيها الغزل والتشبيب بالنساء، وثالثها الفخر. فالشعراء الذين قتلهم شعرهم: إما هجَّاءٌ أمعن فى مخاصمة بعض الولاة أو الحكام أو الشعراء، وانطلق فى النيل من شرفه والتشهير به وإظهار نقائصه، وإمَّا عاشق أمعن فى التغزل بالنساء والتشبيب بهم؛ حتى جاء حتفه على يد ولى المرأة أو أخيها أو زوجها أو ابنها.

ويقدم الكتاب نماذج متعددة منها الشاعر «هُدْبة بن خَشْرَم»، من بنى عامر، من بادية الحجاز، وكان شاعرًا متقدمًا فصيحًا، وراوية للحطيئة، وقد بدأ الشعر يرسم نهايته، هو وشاعر آخر من شعراء عصره، وهو «زياد بن زيد»، وهما من شعراء العهد الأموي، حيث كانا مع رَهْط من قومهم قاصدين الحج، وكان مع هدبة أخته فاطمة، فتغزل بها زياد قائلًا:

 عُوجِى عَلَيْنَا وارْبَعِى يا فَاطِمَا ...  ما دُونَ أنْ يرَى البْعيرُ قَائِمًا

أَلا تَرَيْنَ الدَّمْعَ مِنى ساجِمَا    حِذارَ دارٍ مِنْكِ لَنْ  تُلائِمَا

فَعَرَّجَتْ  مُطَّرِدًا  عُراهِما    فَعْمًا يَبُذُّ القطفَ  الرَّوَاسِما

 وأطال زياد فى قصيدته، فغضب هدبة، ورد عليه بأن تغزل فى أخته، وكانت تسمى أم حازم، فقال:

 لَقَد أُرَانَى وَالغُلامَ الحازِمَا    نُزْجِى الْمطيَّ ضُمرًا سَوَاهِما

متى تَظُنُّ القُلَّصُ الرَّوَاسِما    والجّلة  النَّاجِية   الْعَياهِمَا

يَبْلُغْنَ  أمَّ  حَازِمٍ  وَحَازِمَا    إذَا هَبْطنَ  مُستَحيرًا  قَاتِما

 فسبه زياد، ورد عليه هدبة، وطال بينهما ذلك؛ حتى صاح بهما القوم، فسكتا، كل منهما على ما فى نفسه، ولكن هدبة كان أشد حنَقًا على زياد، ورأى أنه قد غلبه وضامه، فقد تغزل فى أخته فاطمة، وهى حاضرة سامعة، بينما تغزل هدبة فى أم حازم، وهى غائبة لا تسمع غزله فيها.

ومن هذا اليوم صارت عداوة بين هدبة وزياد، ظهرت بوادرها فى المعارضات الشعرية بينهما، ولم يشف هدبة ما قاله من الشعر، وتحيَّن الفرصةَ لقتل زياد حتى قتله، فأمسك سعيد بن العاص والى المدينة به، وأرسله إلى معاوية بن أبى سفيان، فأقر أمامه بقتل زياد، وحبس بالمدينة ثلاث سنوات، حتى يبلغ «المِسْوَر» ولد زياد الحلم، ويخير بين أخذ الدية أو القصاص. وبعد أن بلغ الغلام أراد سعيد بن العاص بذل محاولة أخيرة مع عبد الرحمن أخى زياد بأن يقبل دية أخيه ويعفو عن هدبة، ولكن عبد الرحمن أصر على قتله، وقال للوالي: إنه قال بيتًا من الشعر؛ لو لم يقله لقبلت الدية، أو صفحت بغير دية! والله، لو أردت شيئًا من ذلك؛ لمنعنى قوله: لَنَجْدَعَنَّ  بأيدينا  أنوفَكم  ويذهَب القَتلُ فيما بينَنَا هَدْرًا.

 فدفع الوالى بهدبة ليقتل، فبدت فى عينه حسرة، وما ندم بشر على قول؛ كما ندم هدبة على قوله هذا البيت الذى قاده إلى الموت! والتفت هدبة إلى قوم زياد وهو مقيد بالحديد قائلًا:

 فإِن تَقْتُلُونى فى الحَدِيدِ فإِنَّنى    قَتَلْتُ أَخاكُمْ مُطْلَقًا لم يُقيَّد

 فقال عبد الرحمن: والله لا نقتله إلا مطلقًا من وثاقه، ثم قال:

قَدْ عَلِمَتْ نفسى وأنتَ تَعلَمُهْ    لأَقْتُلَنَّ اليومَ مَنْ لا أَرْحَمُهْ

 ودفع السيف إلى «المسور بن زياد» فضرب هدبة ضربتين مات فيهما.

[email protected]