رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

 

مع أن «إبراهيم عيسى» يقول إنه لا يحب المفاجآت حتى ولو كانت سعيدة، إلا أنه لا يكف عن مفاجأتنا بصحيفة أو ببرامج تليفزيونية وإذاعية جذابة ومؤثرة تجمع بين التسلية والمعرفة.

آخر مفاجآت إبراهيم عيسى فيلم «الضيف» الذى كتب له القصة والسيناريو والحوار، فى تجربته السينمائية الثانية بعد فيلم «مولانا» وأخرجه هادى الباجورى.

تدور أحداث الفيلم فى عدة ساعات، حيث يزج بنا داخل عالم ومنزل المفكر المستنير الدكتور يحيى التيجانى «خالد الصاوى» الذى يستعد مع زوجته مارلين «شرين رضا» لاستقبال المهندس الشاب أسامة «أحمد مالك» الذى تلقى تعليمه فى أرقى الجامعات الأمريكية يعمل استاذاً جامعياً، وجاء ليتقدم لخطبة الابنة الوحيدة للأسرة فريدة «جميلة عوض» وهو يحمل معه هدية هى لوحة مرسوم عليها آية من سورة المدثر «قم وأنذر» الذى يدعو فيها الله نبيه بتوعد المشركين به بالويل والعذاب الأليم.

وعلى مائدة الغذاء يبدأ الحوار لنتعرف على طبيعة الشخصيات وأفكارها.

فالدكتور يحيى المولع بكرة القدم، يحاكم بتهمة ازدراء الأديان, ومن يخدمونه فى المنزل والحرس الذى خصصته الدولة لحراسته، يحبونه لكنهم لا يقبلون بأفكاره «فالقرآن قال لنا حبوا البخارى» كما تقول الخادمة.

أما الزوجة مارلين «شرين رضا» فهى متيمة بزوجها، وكانت رغم الفوارق الاجتماعية والدينية بينهما قد أحبته بعد أن تعرفت عليه فى أحد الأندية.

وفى المناظرة التى تبدأ بين أسامة والدكتور يحيى حول الحجاب والتفسيرات المتباينة للفقهاء للنص الدينى، وأفكار ابن تيمية، نكتشف أننا أمام شاب متعصب دينياً، وأنه كما قال الخال هانى «ماجد الكدوانى» مهتم بالمفكر وعينه عليه طول الوقت أكثر من الابنة، وأن الابنة فريدة قد وافقته على ارتداء الحجاب بعد الزواج، وأنها لم تقرأ شيئاً من كتب والدها، وأن أمها مسيحية لكنها لم تخبر أسامة خشية أن يتردد فى خطبتها.

كما نتبين أن للمفكر ماضياً بعيداً انضم فيه لجماعة تكفيرية، سرعان ما انشق عليها، وربما كان ذلك دافعه للتخصص فى دراسة تنظيمات الإرهاب الجهادى وتياراته، والرد على أفكار دعاته، وبينهم زميل دراسته الذى مات من التعذيب فى إحدى الحملات الأمنية على أعضاء تلك التظيمات، وأن «قم وأنذر» لم تكن مجرد لوحة، بل خطة مكللة بالأكاذيب والخداع والتحايل والجهل، أعدها أسامة للدخول إلى منزل المفكر بهدف قتله لكفره وانتقاماً لمقتل الداعية زميل الدراسة، فينتهى الفيلم بمقتله، والابنة والزوجة تحاولان انقاذ حياة المفكر من طعنة أسالت دماءه.

الفيلم من أوله لنهايته مطبوع ببصمة «إبراهيم عيسى» وهمومه الفكرية التى بدأ الأهتمام بها منذ أكثر من ربع قرن، مع صدور كتابه «عمائم وخناجر» الذى بحث فى ظاهرة التطرف الدينى ومنابعه التى تغذى انتشاره، ودعاته العصريين الماهرين فى حيل المكر والغدر والخداع والجهل بأصول الدين تماماً مثل المهندس الشاب.

يكتسب الفيلم أهميته من توقيته وجسارته فى طرح أفكاره، والإرهاب الجهادى تتصدر أخباره معظم الصحف والشاشات، فضلاً عن الرسائل المهمة التى انطوى عليها. ومنها أن الحرية تغدو حملاً كارثياً ثقيلاً لمن لا يستطيع تحمل مسئولية تبعاتها.

والثانية أن الإرهاب لا جدوى من الحوار مع مرتكبيه، لأنهم يقتاتون بالدماء وينتعشون بالخراب، ولا سبيل سوى اقتلاعهم حيثما يكونون.

والرسالة الأهم هى الحوار الجذاب الذى بدأ فى الفيلم لتفنيد المسلمات المنسوبة زوراً للدين، ولا ينتهى بانتهائه، بل امتد واتسع وسط جمهور المشاهدين خارج قاعات العرض.

ولم تكن لتلك الرسائل أن تصل إلينا إلا عبر نخبة موهوبة من الممثلين، استحوذت بأداء ناضج وانفعالات صادقة على المشاعر والعقول وهى تتابع، صراعاً غير عادل دفاعاً عن الحياة، مع شر مطلق، يفتقد للضمير والخلق، ويشوه القيم الراقية للإسلام، وهو ما يستحق وقفة أخرى للحديث عنه.