أحوالنا
حقيقة الأمر أنه العيد الثانى والثلاثون بعد المائة الأولى، ذلك إذا ما حسبنا سنوات عمر الأوبرا الخديوية التى التهمتها نيران حريق غادر بعد حياة حافلة بالتاريخ والفن دامت مائة عام وعامين. وإذا ما أضفنا هذه السنوات إلى عمر الأوبرا، ونحن نحتفل بعيدها فلن نكون مزايدين أو متجنين. صحيح أنه مضى على افتتاح الأوبرا فى مبناها الحالى ثلاثون عاماً، إلا أن الأوبرا ليست مبنى فقط، ولكنها مبنى ومعنى. ومن منطلق المفهوم المؤسسى لهذا الكيان الفنى، فإنَّ هناك اتصالاً بين المبنى الجديد والمبنى الذى شيده الخديو إسماعيل، وافتتح فى الأول من نوفمبر عام ١٨٦٩. وحينما افتتح المبنى الجديد فى العاشر من أكتوبر ١٩٨٨ لم يكن ذلك بداية لدخول فن الأوبرا إلى مصر، ولكنه كان إيذاناً باستئناف ذلك النشاط الفنى الراقى الذى يستند إلى تاريخ سابق أفرز العديد من الفنانين العظام من مغنين وموسيقيين وراقصين ومهندسى ديكور، إلى جانب جيوش من الحرفيين والمهنيين الذين تتطلبهم عروض الأوبرا المختلفة. يحسب لهذا المبنى الجديد أنه أعاد الحياة لفن الأوبرا بعد توقف دام سبعة عشر عاماً.
وفِى الاحتفال الذى أقامته الأوبرا بمرور ثلاثين عاماً على افتتاح المبنى الجديد سرح بى خيالى إلى ما يربو على خمسة وثلاثين عاماً، أى إلى ما قبل افتتاح الدار بخمس سنوات.
فى ذلك الوقت، عاصرت من موقعى كمستشار إعلامى ورئيس للمكتب الإعلامى المصرى فى اليابان جانباً من المفاوضات الجارية بين الجانبين المصرى واليابانى بشأن الهدية التى ستقدمها اليابان إلى مصر بمناسبة زيارة أول رئيس مصرى إلى اليابان.
وكعادة اليابانيين فى الاستغراق فى أدق التفاصيل المتعلقة بأى موضوع يقومون بدراسته، فقد استمرت هذه المحادثات فترة طويلة، وكانت إحدى العقبات التى مثلت مشكلة صعبة الحل أنه لا يمكن لليابان أن تقدم الأوبرا كهدية لمصر؛ نظراً إلى أن اليابان نفسها لا تملك أوبرا، وعليه فإن قانون البلاد يمنع ذلك. وقد انتهى الأمر إلى تغيير المسمى إلى مركز الفنون.
وفِى اليوم الموعود للتوقيع وفِى الجلسة المخصصة لذلك بحضور رئيس الوزراء اليابانى آنذاك ياسوهيرو ناكاسونى، إذا بأحد أعضاء الوفد المصرى، وهو وزير الاستثمار يعلن أنه كان يفضّل أن تكون هدية اليابان لمصر مجموعة مراكز للتدريب المهنى بدلاً من مركز الفنون. وتكهرب الموقف ونظر ناكاسونى إلى كبار مساعديه وإلى سفير اليابان فى مصر، وقال كنت أظن أنكم اتفقتم على كل شىء، ولَم يستطع أحد الرد عليه، فقرر رفع الجلسة للتشاور.
وخلال المشاورات تم إفهام الجميع أن هذه جلسة توقيع ولا مجال فيها إلى أى تراجع عما تم الاتفاق عليه سلفاً، والبديل الوحيد هو إلغاء البند المتفق عليه. أى أن هدية الأوبرا أصبحت فى مهب الريح، ولكن الله سلم، وتفهم الجميع أن معالى الوزير كان يعبر عن أمنية شخصية له ولم يكن يتراجع عما اتفق عليه.
قطع حبل أفكارى وشريط الذكريات النغمات الموسيقية لفقرات الحفل الرائع الذى أعدته الأوبرا لهذه المناسبة، وتضمن فقرات من باليهات عالمية، وأوبرات شهيرة وموسيقى عربية.
وجاء خير ختام للحفل بمعزوفات حية لأوركسترا القاهرة السيمفونى بقيادة المايسترو أحمد عاطف، وهو ابن الإذاعى والمؤلف الموسيقى الراحل عاطف عبدالحميد، الذى قدم لنا باقة منوعة من موسيقى الأفلام اختتمها بمتتابعة فيلم تايتانك والتى شاركت فى تقديمها السوبرانو إيمان مصطفى بالاشتراك مع كورال أكابيلا من النساء. وكان ذلك خير ختام لحفل رائع لا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر إلى كل من شارك فيه وإلى رئيس الأوبرا الدكتور مجدى صابر، وإلى وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبدالدايم، ونتمنى أن تشهد الثقافة على يديها عصراً من الازدهار والتألق يليق بالحضارة المصرية.