عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

من اليوم الأول لولادته، كان قوياً وفتياً ولا أحد يستطيع أن يتحداه أو مواجهته، فقد كان مستنداً إلى قوة حقيقية، وواقع ملموس، ولذلك ظل لسنوات طويلة، قادراً على الوفاء بتعهداته، ولم يتخاذل يوماً عن قضاء حوائج الناس، وتيسير حياتهم دون معاناة؛ حيث كان وجوده بجانب الفرد أو الأسرة كفيلاً بحل جميع المشاكل من المهد إلى اللحد.. صحيح كان نادراً ولكن لم يكن مستحيلاً.. وفعلاً كان يحيى النفوس!

صحيح كان صعب المنال، وأشبه بالحلم، فى الكثير من الأوقات، ولكن الحصول عليه كان ممكناً طالما يحاول الفرد أن يتقرب إليه؛ حيث لم يحدث مرة خلال أكثر من 150 سنة أن تخاذل عن مساعدة الناس.. فقد كان القليل منه يكفى أن يقلب حال أسرة كاملة رأساً على عقب، وكان يمكن أن يحول حياة فرد واحد من التعاسة إلى السعادة لمجرد أن يأتيه كل شهر، فيمكنه من أن يعيش عيشة كريمة ومحترمة فى الكثير من الأحيان، بل فى كل حين!

وكان والدى، رحمه الله، مثل كل الآباء، فى ذلك الوقت يحكى لى عنه بإجلال وتقدير، حكايات لها العجب.. أما حكايات أمى، رحمها الله، عنه فقد كانت أشبه بالأساطير، ربما لأن والدها، الله يرحمه، كان تاجراً، ومن الأرياف، وصاحب أطيان زراعية، بينما كانت أسرة والدى من الطبقة المتوسطة، فمعظمها من العمال والموظفين.. ولكن مستوى معيشة الطبقة المتوسطة فى ذلك الوقت كانت لا تختلف كثيراً عن الطبقة الأعلى.. صحيح هناك فروق معيشية، فى وقت الأزمات أو المناسبات ولكن الفروق ليست كبيرة، وكان مجرد وجوده مع أية طبقة، بمثابة خطاب ضمان ووصل أمانة، وتعهد رسمى بمساندتها والتكفل بها على أكمل وجه!

وكنا ونحن صغاراً، من أبناء الطبقة المتوسطة، لا نشعر بفرق ما بيننا وبين أصدقائنا أو جيراننا من أولاد الأغنياء، فقد كانوا يسكنون نفس الشارع، ونذهب معاً إلى مدارس واحدة، والكل يرتدى فى الابتدائى المريلة، وفى الإعدادى البنطلون والقميص، اللذين نشتريهما من نفس المحلات.. ولا فرق بين السندويتشات والحلويات أو الفاكهة؛ لأن وجوده مع الآباء، سواء كان قليلاً أو كثيراً يكفى لتذويب الفوارق بين الطبقات، ولتلبية كل الاحتياجات الضرورية، والكثير من الاحتياجات غير الضرورية!

إنه الجنيه.. الذى جاء عليه وقت كانت كل عملات دول العالم لا قيمة لها أمامه بما فيها الدولار والإسترلينى.. ومنذ أول ظهور له حين أصدره محمد على باشا عام 1834، كانت قيمته تساوى 7.4 جرام من الذهب، وحين صدر أول سند ورقى له، كان يتيح لحامله استبداله من البنك الأهلى المصرى، بجنيه واحد من الذهب. وحتى قيام ثورة 1952، كان الجنيه المصرى يساوى 4 دولارات، أى أن قيمة الدولار الواحد كانت تساوى 25 قرشاً، وكان الجنيه الإسترلينى يساوى 0.9 جنيه مصرى. لكن خلال 182 عاماً شهد الاقتصاد المصرى العديد من الأحداث التى عصفت بقيمة الجنيه، إلى أن وصل لوضعه الحالى الذى أصبح فيه جرام الذهب الواحد يعادل نحو 650 جنيهاً!

الجنيه.. الذى أطلق عليه المصريون العديد من الأسماء، وذلك حسب مكانته وعظمته.. فعندما كان ذا قيمة مادية ومعنوية كبيرة كان اسمه «أبومدنة» نسبة إلى الجنيه الذى صدر فى السبعينيات، وعليه صورة مسجد السلطان حسن، وعندما كان حجمه كبيراً وقيمته مرتفعة، كان اسمه «الجنيه الجبس»، وبمرور السنوات، تدهورت أحواله قليلاً فكان اسم الدلع «لحلوح»، ولما دارت عليه الأيام أكثر، وبدأ يفقد قيمته عاماً بعد الآخر تحول إلى «ملطوش»، لأنه لا يبقى كثيراً فى الجيب و«يتلطش» فى أسرع وقت.. حتى تدهورت به الأحوال ووصل إلى زمن أصبح لا اسم له!

الجنيه.. وهو العملة الأقدم فى المنطقة، وصل به الحال بعد أن كان يوازى 20 ألف جنيه فى الوقت الحالى أصبح لا قيمة له، والعملة الأقل فى المنطقة، حتى إنه غير قابل للقسمة بعد أن كان يقسم إلى 100 قرش والقرش إلى عشرة مليمات، ومفردها مليم، وفى عهد الوالى محمد سعيد باشا تم إنشاء العشرة قروش، وأطلق عليها المصريون اسم «البريزة» نسبة إلى أنها ضربت ودمغت فى باريس عاصمة فرنسا.. الآن الجنيه لا يصلح للتقسيم لأنه أقل من القرش والكل يعرف لماذا وصل به الحال إلى ما وصل إليه.. من أول محافظ البنك المركزى حتى الشحاذ الذى يرفض أن يأخذ منك جنيهاً مقابل دخولك الجنة وهو لا قيمة له!!