رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سطور

ها نحن ذا وللمرة الثالثة نستكمل حديثنا سويا حول شاعر الإنسانية «والت ويتمان», حيث كنا قد تطرقنا فى المقالين السابقين الى بعض الأوجه الإنسانية فى حياة شاعرنا الأنيق الذى عاش حياة حرة ليس فيها بريق أو أضواء خاطفة, وربما كانت أقرب إلى الصعلكة منها إلى الحياة القائمة على الترتيب والنظام, فقد اضطر الى أن يترك المدرسة وهو فى سن الحادية عشرة, بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لأسرته, إلا أن انقطاعه عن التعليم الرسمى لم يمنعه من الدراسة الحرة والتوسع فى الثقافة وفى الحياة , فالمعرفة عنده كانت هواية, حتى لو كانت تلك المعرفة عبارة عن لقاء مع إنسان بسيط، ولم لا؟  فالكنز الحقيقى يكمن بداخل الإنسان, ولعلى هنا أتذكر مقولة لمولانا جلال الدين الرومى والذى تعلمت من بين حروفه المعنى الحق لأن يكون الإنسان صوفيا حيث كان يقول : لا تبحث عن الكنز, فأنت الكنز.

ونعود لحياة «ويتمان» فنجد أيضا أنه قد عمل فى أعمال ربما كان من الطبيعى أن ينفر منها أصحاب الأقلام, فمثلا عمل خادما فى أحد المكاتب, وفى فترة من الفترات اشتغل كعامل بناء, وعمل أيضا موظفا صغيرا فى وزارة الداخلية والتى طرد منها بسبب أشعاره عن الغلابة والبسطاء, ثم عمل بعدها تمورجيا ليضمد جراح المصابين فى أثناء الحرب الأهلية الأمريكية «1861 – 1865م» وأعتقد أنه استمر فى هذا العمل حوالى ثلاث سنوات, وقد اكتشف «ويتمان» أن العظمة والبطولة موجودة أيضا فى حياة الناس العاديين, والذين هم فى الغالب جاهلون بهذه العظمة وتلك البطولة, فقد كان يقول: «إن هدفى من كتابة الشعر هو تعليم الناس كم هى عظيمة حياتهم .....».

ومن هنا ظنى أن «ويتمان» استطاع أن يكون شاعرا مؤثرا فى ضمير شعبه الأمريكى, وفى ضمير العالم الإنسانى بأكمله إلى حد كبير, حيث إنه لم يكن مجرد موهبة تجيد الكتابة والديباجة تقرأ له ثم تنسى بعد ذلك كشأن الكثير للأسف, لكنه كان إنسانا وشاعرا من طراز حقيقى.

ولا أود أن أختم مقال اليوم دون أن نمر معًا على أشهر وأعذب وأقرب أعمال شاعرنا الى قلوب قرائه،  وهو ديوان «أوراق العشب», و بتلك المناسبة  أدعو كل من لم يقرأه إلى الاستمتاع بقراءته, وهو متاح فى نسخة عربية راقية الترجمة للشاعر العربى الشديد الموهبة والصدق «سعدى يوسف»، وهذه الترجمة فى حد ذاتها تؤكد لنا فى نهاية الأمر أن كلنا واحد، وندين بدين واحد اسمه الإنسانية، تلك الإنسانية التى تجمع الشرقى والغربى، الأمريكى والعربى، الشمالى والجنوبى، على صدق الاحساس بالناس والحياة.

فهو يقدم أوراق العشب بقصيدة اسمها «أيها القارئ» ويقول فيها: إنك لتنبض بالحياة والكبرياء والحب  ... مثلى أنا، فإليك الأغانى الآتية.

وفى قصيدة أخرى بعنوان « إلى غريب» يقول : أيها الغريب ... يا عابر السبيل ... إذا مررت بى ، وكنت تريد أن تتحدث معى، فلماذا لا تفعل؟ أنا أيضا أريد أن أتحدث معك.

وأوراق العشب فى مجملها تريد أن تقول لنا إن التراب والعشب ممتزجان بأجساد البشر، والبشر لا يموتون موتا نهائيا بل يذوبون فى كل مظاهر الحياة المختلفة ويعيشون فيها مرة أخرى.