رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

اجتازت ثورة التكنولوجيا حدود الزمان والمكان، بسرعة تفوق الخيال، لتتبدل مواصفات «الإنسان» عما كان عليه في الماضي، ويصبح «الافتراضي» سابقًا، «الواقع» حاليًا!

حياتنا اليومية بكل تفاصيلها، تظل واقعًا ملموسًا، نتحكم فيه بإرادتنا، سواء أكنا مُرغمين أو كارهين، في حين أن العالم الافتراضي نعيشه فقط في مخيلتنا، باختراعنا حياة وهمية.

«مواطنو العالم الافتراضي» يسكنون شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن تضاعفت أعدادهم بشكل لافت خلال العشرين سنة الأخيرة، ما جعلهم يقضون معظم أوقاتهم في «هوس» هذا العالم الآخر، بعيدًا من «الواقع» المليء بالموبقات.

لعل أبرز سمات «مواطني العالم الافتراضي» ـ خصوصًا في عالمنا العربي ـ أن كثيرًا منهم «يتجملون»، أو يتعمدون الكذب على أنفسهم، ويخدعون ذواتهم قبل غيرهم، رغم إدراكهم أنهم يعيشون مرحلة يائسة من «وهم» لا شفاء منه!

أشخاص «حقيقيون» نراهم «يسكنون» هذا العالم الوهمي، بصفات وأسماء وهمية أو مستعارة، ليس لهم منها نصيب.. يتصفحون ويتحاورون، يتآلفون ويشتاقون، يحبون ويكرهون، يندفعون ويحذَرون.. لكنهم في النهاية يظلون مجرد أشباح!

غالبًا يلجأ هؤلاء في عالمهم الخيالي إلى الانتقائية.. يغضون الطرف عن أشخاص يعيشون معهم في الواقع، ويتصنعون مثالية زائفة، على خلاف الحقيقة، لاعتقادهم الراسخ أن عنصر الأمان متوفر.. ومهما وصلت خلافاتهم، فلن يلحقهم أي أذى!

ربما يكون هذا العالم «الوهمي» وسيلة تُخرج مكبوتات المطحونين والمهمومين والمظلومين، من خلال «فضفضة» أو «إسقاطات»، كما قد يمثل جسرًا يعبره الآخرون ليقدموا أسوأ ما فيهم من قبح وتدليس وجهل وبذاءات!

ما نلاحظه أن العالم الخيالي أصبح بديلًا عن الزيارات وصلة الرحم، وسببًا في تكوين «صداقات» وعداوات، وتلاسن وتراشق، كما بات متنفسًا «مُرَاقَبًا في الغالب» للمقهورين ضد الأنظمة الاستبدادية، التي تلجأ للكذب عبر هذا العالم الافتراضي للضحك على عقول شعوبهم!

نتصور أن هذا العالم الوهمي أصبح زاخرًا بالمثاليين، والمتدينين الخيِّرين، أصحاب النيّات الحسنة، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، البارُّون بآبائهم وأمهاتهم، الصابرون على نوائب الدهر، المحتسبون عند الله لما ألمَّ بهم!!

لكن الحقيقة أن معظم هؤلاء اُبتليت بهم المثالية المزيَّفة، لأنهم ببساطة يعانون من عقد وأمراض نفسية في الواقع، تلاحقهم وتلازم مسيرتهم، ولذلك نجدهم غير مدركين أن هناك لحظة ما، تتلاشى فيها تلك الحدود الفاصلة بين «الواقع» و«الخيال»!

الشيء المؤسف أن مشاعر الكثيرين باتت جزءًا من هذا الفضاء الإلكتروني، يعبرون عنها بملصقات «إيموجي» أو بكبسة زر، للدلالة عن الحزن والغضب أو السعادة، حتى أصبحت الأحاسيس مرتهنة لتلك الملصقات!

من خلال تلك الملصقات لم نعد فقط نعبر وننفِّس عن كبت أنفسنا في فضائها، بل أصبحنا نهدر الوقت والمشاعر والكلمات والحروف وكل ما يجب أن نعبر عنه كما ينبع من القلب، أو كما نرغب ونتمنى!!

الحاصل إذن أن مكاتب البريد تعطلت، و«البوسطجية» هاجروا بلا عودة، حتى أصبحت جملة «متصل أو نشط الآن» أعلى الشاشة أو أسفلها وسيلة وحيدة للتواصل مع من نحب، عبر رسالة عابرة، للاطمئنان عليهم، أو أنهم لا يزالون على قيد الحياة!

بكل أسف، أصبحنا مع التطور الحاصل مجرد دُمى بمشاعر تكنولوجية.. وكل يوم يُضاف شعور جديد على شكل ملصق باهت تم تسويقه لنا كإضافة جديدة في عالمنا الافتراضي، تقبلناه كواقع فُرض علينا في صحراء مشاعرنا القاحلة الكاذبة التي جعلتنا أرواحًا هامدة لا روح فيها!

[email protected]