رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريق الأمل

إن ثقافة اتخاذ القرار ومهاراته سمات متخذة تتعمق فى وجدان الإنسان منذ ولادته بل ربما قبل ذلك، فالجينات الوراثية لها دور والتربية والتعليم لهما دور والمدرسة والجامع أو الكنيسة لها دور، والإعلام وشارع الحياة والخبرات الشخصية والمنقولة لها دور، فحياتنا اليومية مليئة بعشرات بل مئات القرارات التى تتعلق بشئون الحياة كافة، فما دامت هناك مسائل تحتمل الإجابة عنها بنعم أو لا، أو تختلف وجهات النظر فى تصريفها أو معالجتها، فإن الأمر يحتاج إلى اتخاذ قرار بشأنه وفى دنيا الأعمال والإدارة تزداد المشاكل والمسائل عدداً، وتتباين تعقيداً، فالمدير المسئول يسعى لأن يجعل مرؤوسيه يعملون من أجل تحقيق الهدف المرسوم، لذلك يقتضى الأمر إصدار قرارات لتوزيع الأدوار والأعمال عليهم، وتحديد مسئولية كل منهم وسلطاته، وتنظيم العلاقات وتحقيق الانسجام فيما يوكل إليهم من أعمال، وديننا الحنيف يمقت الاستبداد بالرأى والتعصب فيه تجنباً لقصور التفكير والإدراك ومذلة الوقوع فى الخطأ فأوجب استشارة أهل العلم والمعرفة، إذ يقول الحق تبارك وتعالى «فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» ولوحظ أن عملية اتخاذ القرار فى الإسلام ليست عملية فكرية من نتاج شخص واحد فقط وإنما هى حصيلة مجهودات مشتركة لآراء وأفكار ومناقشات مجموعة من الأفراد المتصلين بموضوع اتخاذ القرار سواء كانوا مستشارين من أهل العلم والخبرة أم منفذين من أهل المسئولية، فالقرارات الإسلامية فى صنعها هى خلاصة للمجهودات الجماعية المشتركة أما مسئولية إصدار القرار فهى مسئولية فردية للقائد بعد أن استشار مرافقيه وفى ذلك يقول المولى تبارك وتعالى «وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله». وإذا كان جوهر العملية التخطيطية هو اتخاذ قرار بالاختيار بين مجموعة من بدائل العمل المُتاحة، فلاشك أن المنطق وحُسن التفكير والمقارنة والعقل هى أساس ذلك الاختيار، فالبديل المختار لا يشترط أن يكون البديل الأمثل بقدر ما يكون البديل الذى يحقق أكبر المزايا بأقل التكاليف أو الخسائر فى حدود الإمكانيات المادية والبشرية المُتاحة والسبيل إلى اختياره هو العقل وفى ذلك يقول الرسول الكريم «اعقلها وتوكل» فما على مُتخذ القرار إلا التعقل فى المفاضلة بين البدائل المُتاحة قبل الاختيار وبدء العمل.

وترتبط عملية اتخاذ القرارات ارتباطاً مباشراً بعمليات الإدارة ووظائفها كالتخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة، فهى عملية تتم فى كل مستوى من المستويات التنظيمية، كما تتم فى كل نشاط من أنشطة المؤسسات أو المنظمات، لذا فهى عملية متغلغلة فى العملية الإدارية ولا يمكن فصلها عنها، الإنسان قيمة، وقيمة الإنسان تأتى من كيفية إدارته لحياته، وإدارته لحياته تنعكس فى مجموع قراراته التى اتخذها لكى يحقق بها آماله ورغباته وأهدافه، وقرارات الإنسان خلال فترة حياته لا تتخذ بالصدفة ولكنها وليدة تربيته وتعليمه وثقافته وخبرته ومعتقداته الدينية والدنيوية وزاد عليها خبرات مستحدثة توفرها تقنية الاتصالات والمعلومات، إذًا فإن مهارات صناعة واتخاذ القرار سمات متخذة تتوافر وتنمى فى الإنسان خلال دورة حياته، ومن المعروف أن مشكلة الإنسان الأولى فى حياته هى كيف يتخذ القرار، مُهماً أو بسيطاً، والمشكلة تأتى من أنه يجب أن يحسب عواقبه قبل أن يحسب عوائده، وللحساب أساليب وقواعد ومفاهيم وعلوم وتكنولوجيات يجب أن يطبقها.

 إن القرارات بجميع أنواعها صعبها وسهلها لها أساليب لبنائها وعلوم كاملة لصناعتها، ومن المعروف أيضاً أنه لا تكلفة بدون عائد ولا عائد بدون تكلفة والتكلفة بدون عائد هى خسارة، والعائد بدون تكلفة هو مكسب مشكوك فيه، وكل قرار يلزم أن يكون له تكلفة وعائد، وأصعب شىء فى صناعة القرار انه يصنع للمستقبل وليس لماضٍ أى انه يخاطب المجهول، وبقدر ما كان المجهول وحركته متوقعة، بقدر ما كان القرار صائباً وسليماً، ومن ثم فإن القرار يجب أن يولد بعينين حادتين قادرتين على رؤية المستقبل وسلوكه، متغيراته من جهة، ودروس التاريخ من جهة أخرى، ولذا فإن متخذ القرار صاحب الرؤية الواسعة البعيدة يكون دائماً صائباً، بينما الآخر الذى لا يرى إلا حتى محيط جسده، فمشكلته خطيرة، لأنه يعتمد على تسويق الوهم وتجميل المستقبل وبيع الآمال والأحلام لتبرير فشل قراراته، فنحن نحتاج إلى قرارات لتحديد الخطة واختيارها وإلى قرارات العمل ورسم الهيكل التنظيمى، وتوزيع المؤسسات والاختصاصات، وكذلك تحديد الوظائف اللازمة لتشغيله، ونحتاجه  إلى قرارات لتحديد الحوافز وطرق الاتصال، كما نحتاج فى الرقابة إلى قرارات لوضع المعايير وتصحيح الانحرافات واعتماد النتائج، والحقيقة أن عملية اتخاذ القرارات هى جوهر العملية الإدارية، وهى النقطة التى تنطلق منها بقية الأعمال والإجراءات ويتوقف عليها نشاط العمل أو تجميده، وختاماً، رب قرار واحد يفتح الأبواب المغلقة وآخر يغلق الابواب المفتوحة والفرق بين الاثنين أن متخذ الأول يرى ويحسب والثانى لايرى وربما يحسب ولكن السؤال على أى أساس هو يحسب؟.