انتشر الطلاق فى السنوات الأخيرة فى وجدان الشعب المصرى، وأصبح الحديث فيه، مثله مثل الطعام والملابس والمناسبات ودخول المدارس والأعياد، بل إن بعض النساء يعتبرن الطلاق هو «السبوبة» التى سيربحن منها شيئين: المال الذى سيجنينه من الزوج، والحرية التى سيحصلن عليها بانطلاقهن وقتما يشئن وكيف يشئن.
ولم يعد الحديث عن الطلاق يتم سرًا أو خجلاً أو بشىء من الهمس كالماضي، وأصبح وجود فتاتين أو ثلاث فى كل مكتب من مكاتب الحكومة مطلقات ظاهرة تدعو للدهشة، كما أصبح وجود نفس العدد فى كل عائلة امرًا محيرًا، والخطير فى الأمر هو تفاخر بعض النساء بأنهن طلقن منذ أيام أو تعلن هذا على الملأ فى صفحتها على الفيس بوك، وتبدأ فى الحكى: كيف طلقت، وعيوب الزوج– من وجهة نظرها العالية– وكيف جرجرته على المحاكم، وما حملته معها أثناء ذهاب زوجها للعمل، وكيف أرسلت سبابًا لأهله، وكيف أصبحت مطلقة عظيمة يشار إليها بالبنان، وإذا سألتها عن السبب سوف تذكر لك كل شىء دون استحياء عن حياتها، وسوف تبكى وتدمع وتقول لك: إنها قد زهقت وقرفت من تلك الحياة.
كل هذا الحديث سنجده لفتيات لم يتجاوزن الثلاثين عامًا من عمرهن، ولم يعشن تجربة الزواج إلا ثلاث أو أربع سنوات أو شهوراً فقط، بل إنني رأيت حالات زواج لم يمتد بها الزواج أكثر من أيام قليلة، لتعود إلى بيت أهلها وكأنها منتصرة وقد فازت الفوز العظيم.
ولم نعد نرى من يرشد أو يوجه أو يشرح معنى الحياة الزوجية، وما بها من عقبات وخلافه، أو ذكر ما كن يفعلنه النساء فى الماضى كى تحافظ المرأة على بيتها وأبنائها، وأنا هنا لا أتحامل على المرأة أو الرجل، فلا أحد يفوز فى الطلاق، ما يهمنى هنا هو الأبناء، وحالتهم النفسية فى حركتهم وسط المجتمع وكلما كبروا أو احتكوا ببعض من حولهم.
إن الطلاق أصبح إحدى المشكلات الكبرى التى تواجه وتهاجم المجتمع والبيت المصري، وأصبح جحيما مروعا يورق جميع أفراد الأسرة، وأشاهد كثيرا من الاستبيانات والأرقام التى تفزع عن تلك الظاهرة التى تلتهم قلب الأسرة المصرية.
وأنا أريد هنا أن أشاهد تلك النساء كما يتفاخرن بطلاقهن وبقوتهن، أن نقيم لهن مهرجانًا قوميًا للطلاق، حيث نراهن كيف يتباهين بأنهن مطلقات أو مخلوعات بحكم القانون، ونريد أن نشاهد كل واحدة تحكى منهن تجربتها.. وما هى أسباب الطلاق، وما هى القسوة التى مرت بها كى تطلق خلال شهور قليلة من زواجها.
وأريد أن يتم عمل مهرجان قومى نرى فيه الطرف الآخر، الرجل أيضًا وما وصل إليه حاله بعض الطلاق، والحرية– أيضًا التى حصل عليها، وسوف نقيم مهرجانًا قوميًا للأطفال الذين طلق أباهم أمهم، ونرى ما حدث لنفسيتهم وعقليتهم.
فلنقف مع انفسنا بقوة أمام تلك الظاهرة، وليكف الرجال والنساء عن الذهاب للمحاكم والمشكلات التى لا تطاق وسط هذا الجحيم الذى نعيش فيه سواء من غلاء أو ظروف حياتية لم نعهدها من قبل، ولنفكر فى أبنائنا قبل التفكير فى أنفسنا المريضة التى لا تستطيع أن تفتح بيتاً أو تصون عشًا.