كى تعيش فى هذه الحياة، يجب أن تتعلم ثقافة السكين، أن تذبح دون قلب، وتجرح دون ضجيج، وتمزق دون ندم، وتقتل دون إدانة، أن تظل قويًا وحادًا وهادئًا وناعمًا ومستعدًا دائمًا، أن تخفى مشاعرك فى النصل الحاد، الذى تعلم من خالقه / صانعه/ الحداد أن يذبح – بقوة- حتى لا يموت.
إن عمل السكين وظيفة مرهقة، وقاسية، وحاسمة أيضًا، لذا يجب أن تتعلم منها ألا تبكى وألا تعرف الألم وألا تصرخ وتصدر ضجيجًا غير مبرر، فقط تبتسم وأنت تذبح الذبيحة، بكل حب وبدون قلب، فالسكاكين لا تندم عندما تذبح الأشخاص، لأنها - ببساطة - لا تعرفهم!!
ولأن السكاكين باردة، دون روح، وقاسية، دون طموح، وحادة، دون تباهٍ، فلن تجدها تتصارع أو تتقاتل، هل رأيت ذات يوم سكينا تذبح سكينًا؟
والسكاكين تحب الصمت والانتظار والظلام وآخر الليل وعواء الذئاب والموسيقى الكلاسيكية، وتكره السلام والصداقة والشعارات الجوفاء والزحام ونباح الكلاب والتوتر وآراء الفلاسفة وثرثرة العجائز ونغنغة الأطفال.
ولكل منا سكينه الخاصة، فيوجد بعض الأشخاص يشهرون سكينهم دائمًا، فى كل مكان يتحركون فيه، سواء داخل إطار الأسرة أو العمل أو الاصدقاء، وهو شخص لا يتوقف عن «الغز» أو التهديد الدائم، دائمًا وجهه عابس مقطب، يكره الفرحة ويكره نفسه ويكره أى إحساس بالحياة والسعادة حوله، وقد يكون شخصا مبتسما ولكنه يحمل سكينا خلف ظهره، فلا نراها، هو فقط ينتظر اللحظة المناسبة كى يطعن أو يقتل ويفر هاربًا، وكثيرون يحملون سكينًا غير حقيقة، هم فقط يظلون يهددون دون أن يقوموا بإشهار تلك السكين، وهؤلاء لا نخشاهم، هم فقد يحاولون أن يظهروا أنهم يملكون سيكنًا فى تلك الحياة، مع أنهم فى الحقيقة لا يستطيعون أن يقتلوا نملة صغيرة، وهذا لا يعود لخوفهم أو ضعفهم بقدر ما تحمله قلوبهم من حب وسلام وصفاء، ولكنهم فى وقت الشدة، يحاولون أن يظهروا بعكس ما نعرفهم.
وأكثر الأماكن التى تتواجد فيها السكين: أهداب المرأة وعيونها ولسانها أيضًا، وشهادة الزور والادعاءات الكاذبة والاتهامات الباطلة وأدراج المطابخ وموائد المطاعم والمؤتمرات والمؤامرات الدولية والعلاقات الأسرية الشائكة والشوارع والمشاجرات والمستشفيات والحروب، أما أجمل سكين تراها مبتسمة ستجدها يوم الذبح العظيم فى عيد الأضحى، عندما يقوم بنحر الذبيحة مفتديًا ابن آدم الذى صنعها، وسكين رصع بالجواهر والذهب كهدية، ويتم وضعها فى صدر الغرف أو المتاحف من باب الكبرياء والقوة.
ورغم ان السكين طوال حياتها تعيش منفردة او منعزلة، إلا أن كثيرا من السكاكين نجدها فى حقائب فاخرة أثناء تجهيز بيت الزوجية، وقبل أن تخرج من تلك الحقيبة وتمارس عملها، سواء بين يدى الضيوف أو فى يد الزوجة، وهى لا تخرج عن حدود المطبخ، حيث عملها الذى صنعت من أجله، ولكن ربما تتجاوز تلك الحدود عندما يتجاوز أحد أطراف المنزل دوره فى الحياة سواء بالخيانة أو بالانتقام أو بالانتحار، حيث يتمنى أحدهما أن ينهى حياته بتلك السكين الهادئة الوديعة التى تنام فى درج مطبخه من زمن بعيد.