دعت سويسرا مواطنيها هذا الأسبوع إلى استفتاء أرجو أن نتأمل معناه، وأن نتطلع إليه باعتباره خطوة تهم الذين يتجهون إلى المفاعل النووية كمصدر للطاقة الكهربائية مثلنا، أكثر مما تهم الذين خاضوا الطريق ذاته إلى نهايته مثل السويسريين أنفسهم!
الاستفتاء يدعو كل سويسرى إلى أن يُبدى رأيه فى مبادرة مطروحة اسمها مبادرة الانسحاب النووى التى تحدد العمر الافتراضى لكل مفاعل نووى بـ٤٥ عامًا!
أما المفاعلات النووية من هذا النوع فتملك الحكومة السويسرية منها خمسة مفاعلات!
وأما إذا قال الناخب السويسرى «نعم» فى غالبيته، فسوف يترتب على ذلك اختفاء المفاعلات الخمسة خلال اثنى عشر عامًا من الآن.. ثلاثة فى العام المقبل، واثنين فى عام ٢٠٢٩!
ومما يعرفه المتابعون لأخبار الاستفتاء أن مواطنى سويسرا يحصلون على أربعين فى المائة من طاقتهم الكهربائية من هذه المفاعلات وحدها!
وليست هناك أى أخبار عن بدائل التعويض إذا ما قال الناخبون نعم، فسويسرا ليست من بلاد الشمس الساطعة حتى يقال إن الطاقة الشمسية ستكون مصدرهم البديل!
والغالب، إذن، أنهم سوف يستعينون بمحطات توليد عادية، أو أنهم سوف يستوردون طاقة شمسية جرى توليدها فى شمال إفريقيا، وخصوصًا فى المغرب العربى على سبيل المثال!
إن المغرب وحدها تنفذ حاليًا أكبر محطة توليد طاقة شمسية فى العالم، وعندما نشرواً صوراً للمحطة هذا العام فى منطقة ورزازات المغربية، فإن كثيرين خارج المغرب قد أدهشهم أن يكون استثمار الحكومة المغربية فى هذه النوعية من الطاقة المتجددة قد وصل إلى هذا الحد الكبير والمثير للإعجاب معًا!
وحين دخلت دول جنوب البحر التوسط مع دول أوربا فى عضوية «الاتحاد من أجل المتوسط» قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، كان الهدف الأساسى، ولايزال، أن تحصل القارة الأوربية على نصيب من طاقة شمس شمال إفريقيا فى العموم!
فهل ستعوض سويسرا طاقة المفاعلات الخمسة من هذا المصدر الإفريقى؟!
ربما!
ولكن المؤكد أن أنهم لا يناقشون إغلاق مفاعلاتهم الخمسة، وفقط، كما قد يبدو لنا الأمر عند الوهلة الأولى!.. إنهم يتكلمون من خلال الاستفتاء فى تسريع الإغلاق، وليس فى مجرد الإغلاق!.. وهذا يعنى أن الإغلاق، كمبدأ متفق عليه، أمر لا خلاف حوله أصلًا!
ومن قبل كانت ألمانيا قد سارت فى الطريق السويسرى نفسه، ووضعت سقفاً زمنياً قريباً سوف لا يبلغ مداه إلا وتكون ألمانيا قد خلت تمامًا من كل مفاعلاتها النووية دون استثناء!.. ووراء الدولتين تقف دول أوروبية، وغير أوروبية، كثيرة!
والهدف كله أن كل ما يمس صحة المواطن يظل خطًا أحمر لا فصال فيه بأى حال!
رجائى أن يتابع المتحمسون لمفاعلات الضبعة أنباء استفتاء سويسرا من زاوية واحدة على الأقل، إن غابت عنا سائر الزوايا.. زاوية أن صحة المواطن عندنا لابد أن يكون لها ثمن، وأن تكون فوق كل اعتبار!
ثم من زاوية أخرى أهم هى أن الضبعة ليست قرآناً، وأننا لا يجوز أن نتحرج من مراجعة الملف كله، إذا ما اكتشفنا أن مراجعته واجبة.