من الأشياء التى لا أنساها، ما رواه وزير البترول السعودى الأسبق هشام ناظر، فى سيرته الذاتية نقلًا عن حسنى مبارك!
السيرة صدرت هذا العام بقلم الأستاذ تركى الدخيل مدير قناة العربية، وفيها يروى صاحبها سيرة حياته، منذ تلقى جانبًا من تعليمه فى مصر، إلى أن صار أول وزير للتخطيط فى بلاده، فوزيرًا للبترول خلفًا للوزير العتيد أحمد زكى يمانى، ثم سفيرًا لخادم الحرمين الشريفين فى القاهرة آخر أيامه!
وقد حدث وقت أن كان هو سفيرًا، أنه كان مرافقًا لمبارك أثناء أدائه العٌمرة عام ٢٠٠٥، وفى الطريق من جدة إلى مكة، ثم إلى جدة مرة أخرى، همس مبارك للسفير ناظر بأن على الفلسطينيين أن ينتهزوا وجود شارون رئيسًا للحكومة الإسرائيلية، ليتوصلوا معه إلى حل يعيد حقوقهم، ويقيم دولة فلسطينية!
ولابد أن أى قارئ لمثل هذا الكلام فى الكتاب سوف يتساءل فى حيرة بالغة: كيف تقوم دولة على أرض فلسطين على يد ذلك الجزار الإسرائيلى، وقد كان تاريخه كله مٌلطخًا بالدم؟!
أظن أن مبارك وهو يهمس بهذا الرأى فى أٌذن السفير السعودى كان يستند إلى وجهة نظر تقليدية وشهيرة، تقول إن اليمين الإسرائيلى المتشدد سياسيًا كان هو دائمًا الأقدر، على الوصول لحلول عملية لقضايا كبيرة، من نوعية إقامة دولة لكل فلسطينى فوق أرضه!
وقد كانت معاهدة السلام بين مصر وبين إسرائيل عام ١٩٧٩، هى أوضح دليل فى هذا الاتجاه، فوقتها كان مناحم بيجين رئيسًا لوزراء تل أبيب، وكان على رأس الصقور فى تاريخ الدولة الإسرائيلية كله، وكان تفريطه فى أى شيء يخص بلده مسألة غير واردة بالمرة فى نظر أى مواطن إسرائيلى، وكان بالتالى قادرًا على أن يفاوض الطرف الآخر، سواء كان هذا الطرف مصريًا، أو فلسطينيًا، وهو جامد القلب، ثم وهو مطمئن إلى أن ناخبه الذى جاء به إلى الحكم يثق فيه غاية الثقة!
شيء من هذا بالضبط كان مبارك يقصده، عندما أبدى ذلك الرأى على مسمع من السفير السعودى!
غير أن السؤال هنا يبقى على النحو الآتى: هل كان شارون على استعداد للتوصل مع الرئيس الفلسطينى، إلى حل نهائى يشبه الحل الذى تم فى معاهدة السلام؟!
تقديرى أن ما كان مبارك يتصوره غير دقيق، لأن بيجين ليس شارون، ولأن سيناء بالنسبة لإسرائيل ليست كفلسطين، ولأن اليمين الإسرائيلى ليس درجة واحدة!
لماذا أروى هذه القصة الآن ؟!.. أرويها لأن الرهان فى هذه اللحظة ربما يكون على اليمين الأمريكى، لا الإسرائيلى، مع مجيء ترامب إلى البيت الأبيض!.. إن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو ينتمى إلى اليمين نفسه الذى انتمى إليه بيجين من قبل، ومع ذلك فإنه آخر سياسى إسرائيلى يمكن أن يوافق على قيام دولة فلسطين، كما أن موقفه المعلن من هذه القضية أشهر من أن نعيد الإشارة اليه، أو الكلام فيه!
وما أقصده باليمين الأمريكى هنا هو شخص ترامب، فتشدده هو الآخر أشهر أيضًا من أن يشار إليه، ومع ذلك فإن أوباما غير المتشدد ظاهريًا على الأقل، كان أسوأ على القضية من كل المتشددين!.. وليس لنا أن نتوقف كثيرًا أمام كلام الرئيس المنتخب عن إسرائيل. وقت أن كان مرشحًا، فكل الرؤساء الذين سبقوه قالوا الكلام ذاته تقريبًا.. المهم هو الطريقة التى سيتصرف بها بعد أن يتسلم مهام منصبه رسميًا فى العشرين من يناير!.. قد يتصرف عندها بعكس كلامه، على نحو ما فعل أوباما، فيكون للقضية، وليس عليها!.. أقول قد.