الحزن شىء غامض - شديد الوضوح، جارح - شديد الرقة، بذىء - شديد الاحتشام، هامس - بالغ الصراخ، بليد – قوى الذكاء، جاف – يحب الدموع، قاسٍ – يعشق الماضى والذكريات.
فلا مفر من جاذبية الحزن، بسببه ستجد اختناقًا ضاغطًا دائمًا على الأنفاس، شيئًا يربط قدميك دون رباط، ويكتف ذراعيك دون قيود، ويمزق ملابسك دون أن تتمزق، تشعر بالوحدة رغم كل البشر حولك، وتشعر باليتم رغم الأهل والأصدقاء، تحاول أن تلقى بنفسك فى النهر أو المحيط كى تغتسل، أو تلقى بنفسك فى النيران كى تشتعل، لكن كل ذلك لن يبعد الحزن ولن يفتت تلك الجاذبية التى أصبحت إحدى مميزاتنا.
هكذا طغى الحزن وأصبحت قوته تفوق قوة الجاذبية الأرضية، تجدنا سائرين وقد انحنت أعناقنا، ووجوهنا لا ترى شيئاً غير الأرض نبحث فيها عن الحلول أو مفتاح الجنة الضائع في ذيل سحلية تتقلب ألوانها فى ضوء الشمس التى لا تراها عيوننا، أكتافنا متهدلة، وأذرعنا لا تقوى على الارتفاع أو حمل أى بهجة.
ساد الحزن، وتكاثر الوجع، وغلف أرواحنا الفقيرة البؤس الكبير، نحاول أن نبدو مريحين فرحين لدقائق، نرتد بالذاكرة للماضى الذى يؤنس أيامنا فلا نجد غير ثقل جبال الحزن الذى يجذبنا إليه، مثلما تجذب الموالد المريدين والمداحين.
ولا أعرف السر فى تلك القوة الجاذبية للأحزان، وكأنه لا مفر منه ولو حاولنا أن نهرب منه، مهما فعلنا وسافرنا وضحكنا وعملنا، أو اصطنعنا البهجة وزرعنا الضحكة فى قلوبنا، ورسمنا الابتسامة على وجوهنا، لكنه يجذبنا إليه.
وتلك القوة يجب أن نبحث عنها ونفتش فى صدورنا عن سببها وسبب طغيانها بتلك القوة الرهيبة التى أصبحت إحدى مميزاتنا نحن المصريين، بعد أن كنا نستطيع أن نحول كل كوارثنا ومصائبنا إلى ابتسامة أو ضحكة أو كما كان يقال «المصريين شعب ابن نكتة».
والمدهش أن جاذبية الحزن لا تفعل ذلك فقط بل تزيد الجسد ثقلاً شديداً، وتقوم بتحميل مصدرى قوته وهما: العقل والقلب، ثقلاً فوق ثقل، ومن ثم لا نستطيع أن ننطلق أو نفر أو نهرب منه.
والآن أصبحت جاذبية الحزن غولًا متوحشًا يفتك بنا، ولا تمر دقيقة إلا وتجذبنا إليها، مهما صنعنا، أو شاهدنا أشياء تضحكنا.
وليس السر فى كل تلك القوة هو الفقر، بل القلق من الغد، فالجميع يعمل، نعم لا يوجد نقود تكفى، أو جميعنا يصرخ من الغلاء وارتفاع الأسعار، لكن الحزن شىء آخر غير كل ذلك، الحزن يأتى لك سواء أكنت غنياً أم فقيراً، هذا هو سره العظيم وقدرته الخطيرة فى الاستحواذ على وقت الجميع، وكأنه سيد الكون دون منازع.