رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا شك أن الثورة التكنولوجية والمعرفية اجتازت حدود الزمان والمكان، بسرعة تفوق الخيال، ومعها تبدلت وتغيرت مواصفات العالم والعلم عما كانا عليه في الماضي، ليصبح "الافتراضي" سابقًا، "واقع" حاليًا، و"الواقعي الحقيقي" دربًا من الخيال.

الحياة اليومية التي نعيشها؛ بكل تفاصيلها؛ تظل واقعًا ملموسًا، لأنها ببساطة هي تلك اللحظات التي نلمس فيها أشياء.. نتحكم فيها بإرادتنا أو مُرغمين كارهين، في حين أن العالم الافتراضي، نعيشه في مخيلتنا فقط، من خلال ابتكار واختراع حياة وهمية.

رغم أن الواقع والخيال يختلفان إلى أبعد الحدود، إلا أنهما قد يُكملان بعضهما البعض، من خلال علاقات اجتماعية قد تُجبرنا أن نعيشهما في آن واحد، لذا نعتقد أن الواقع لا تكتمل واقعيته بالخيال، وهذا ما يتحقق بشكل كبير عند "مواطني" العالم الافتراضي، الذين بدأ ظهورهم في النصف الثاني من القرن العشرين مع بداية نشأة المجتمعات الإلكترونية، ثم مواقع التواصل الاجتماعي بعد عقود.

هؤلاء المواطنون غير الحقيقيين، أصبحوا يسكنون شبكات التواصل الاجتماعي والمجتمعات الافتراضية، لتتضاعف أعدادهم بشكل لافت خلال العشرين سنة الأخيرة، ما جعلهم يقضون معظم أوقاتهم في "هوس" هذا العالم الآخر، بعيدًا من العالم الواقعي المليء بالموبقات.

لعل أبرز سمات هذا العالم الافتراضي ـ خصوصًا في عالمنا العربي ـ أن جُلَّ مواطنيه كاذبون، أو بلغة أخرى يتجملون، فهم يتعمدون الكذب على أنفسهم قبل الآخرين، ويخدعون ذواتهم قبل الغير، رغم إدراكهم أنهم يعيشون في مرحلة يائسة من "وهم" لا شفاء منه.

أشخاص واقعيون يدخلون ويعيشون في هذا العالم الوهمي بصفات لا تربطهم به أي علاقة، وأسماء وهمية أو مستعارة ليس لهم منها نصيب.. يتصفحون ويحاورون، يتآلفون ويشتاقون، يحبون ويكرهون، يندفعون ويتباطؤون.. لكنهم في النهاية يظلون أشباحًا افتراضيين.

غالبًا ما يلجأ هؤلاء في عالمهم الخيالي إلى الانتقائية، بأن يغضوا الطرف أحيانًا عن أشخاص يعيشون معهم في عالمهم، فيتصنعون جميعم مثالية زائفة، بخلاف الحقيقة في حياتهم الواقعية، في ظل اعتقاد راسخ أن عنصر الأمان متوفر، ومهما وصلت خلافاتهم في ذلك المجتمع، فلن يصابون بأي أذى!

ربما يكون هذا العالم الافتراضي الوهمي، وسيلة تُخرج مكبوتات البشر المطحونين والمهمومين والمظلومين، من خلال إبداع أو "فضفضة" أو إسقاطات، كما أنه أيضًا يمثل جسرًا يعبره الآخرون ليقدموا أسوأ ما فيهم من قبح وكذب وجهل وبذاءات، أو حتى إلحاد!

بكل أسف، أصبح هذا العالم "الخيالي" بديلًا من الزيارات وصلة الرحم على أرض الواقع، وسببًا في تكوين صداقات وعداوات، وتلاسن وتراشق، كما أنه بات متنفسًا للمقهورين ضد أنظمتهم الاستبدادية، التي بدورها تلجأ إلى الكذب عبر هذا العالم الافتراضي لمخاطبة شعوبهم!

ما نلاحظه هو أن العالم الافتراضي الخيالي، أصبح زاخرًا بالمثاليين الصادقين، والمتدينين الخيِّرين أصحاب النيّات الحسنة، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، البارُّون بآبائهم وأمهاتهم، الصابرون على نوائب الدهر، المحتسبون عند الله لما ألمَّ بهم.. لا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم!!

لكن الحقيقة أن معظم هؤلاء اُبتليت بهم المثالية المزيَّفة، لأنهم ببساطة يعانون من عقدة النقص في العالم الحقيقي، التي تلاحقهم وتلازم مسيرتهم، ولذلك نجدهم غير مدركين أن هناك لحظة ما، تتلاشى فيها تلك الحدود العقلية بين العالمين معًا،.. بين "الواقع" و"الشبكة"، بين "الحقيقة" و"الوهم"، ما يجعل الأمر أشبه ببناء صروح من المجد الوهمي في "العالم الافتراضي".

[email protected]