عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لست خبيرا في شئون المياه والري، وأعتبر نفسي آخر من يمكنه أن يفتي في قضية سد النهضة، وعندما تنسد أمامي أبواب الفهم بشأن هذا الموضوع ألجأ إلى مراجعة آراء الخبير الصديق والزميل ابن دفعتي  الجامعية الأستاذ هاني رسلان ، غير أني أعترف بأن كلامه وكلام غيره لا ينهي شعوري بأن في الأمر ثمة لغزاً يصعب فك رموزه حتى الآن رغم أن القضية مطروحة منذ نحو خمس سنوات.

الملمح الأساسي لما أراه وأصفه باللغز - ولك أن تحكم بعد أن تنتهي من قراءة هذه السطور بما إذا كنت مخطئا أم لا -  يتمثل في أنه على المستوى السياسي والإعلامي بل وكذلك الشعبي ننظر لموقف أثيوبيا على أنه يرتقي لمرتبة الاعتداء على حق أصيل لمصر يهدد مستقبلها بشأن أهم مورد في الحياة هو المياه، بل لقد وصل البعض في التأكيد على ذلك إلى حد الإشارة إلى أن موقف أثيويبا يعبر عن جزء من مؤامرة دبرت لمصر بليل كان من سياقها ما نعتبره ثورة يناير ويعتبره هذا البعض مؤامرة يناير، والتي مهدت السبيل لأديس أبابا للإعلان عن بدء المشروع بعد قيام الثورة مباشرة.

غير أنه على جانب آخر هو الجانب الرسمي، فإن المتتبع لمسار العلاقات بين مصر وأثيوبيا يلحظ أنها كما يقول القائل «سمن على عسل»، من حيث الزيارات المتبادلة على مستوى قيادتي البلدين. وإذا كان النهج التصالحي من قبل مسئولي أثيوبيا يبدو مفهوما فإن ما يصب في الفكرة التي أشير إليها مواقف المسئولين المصريين التي ترقي لمستوى إشعار المتلقي بأنه قد يكون هناك علاقات شراكة بين الدولتين كتلك التي بين إسرائيل والولايات المتحدة.

السؤال الذي يراودني طالما جاءت قضية سد النهضة على ذهني هو : هل هناك حقيقة مشكلة لمصر من بناء أثيوبيا لسد النهضة؟ كل الإجابات التي أسمعها تؤكد أن هناك مشكلة. لم يختلف في ذلك أحد بدءا من المجلس العسكري الذي تولى مباشرة بعد سقوط مبارك مرورا بنظام الإخوان الذي لم يعمر طويلا وانتهاء  بالنظام الحالي بعد 30 يونيو. غير أن اللهجة تبدو مختلفة على الصعيد الرسمي، وكان من أبرز التوجهات على هذا الأمر تصريحات رئيس الوزراء السابق ابراهيم محلب حين راح يؤكد على أنه  لا خوف على مصر من بناء سد النهضة.

من بين مظاهر اللغز أنه رغم أن الموقف المصري العام يبدي قلقه من بناء سد النهضة إلا أنه يبدو متوافقا بشكل أو بآخر مع فكرة بنائه. كيف ؟ أظن أن الأمر واضح، وإذا بدا لك فهم كلامي صعبا دعني أشرح لك الموقف. فمصر الصارخة في البرية من خطر سد النهضة، قبلت أن تدخل في مفاوضات وراء مفاوضات بشأن السد، فيما أثيوبيا تبني ثم تبني في ذات السد الذي تجري المفاوضات بشأنه، في ملهاة تذكرنا بالملهاة الفلسطينية مع إسرائيل حيث تجري المفاوضات على الأراضي التي يتم إعادتها للفلسطينيين فيما المستعمرات تلتهم يوما بعد يوم هذه الأراضي بحيث لن يجد الفلسطينيون مع انتهاء هذه المفاوضات أية أراض، وعلى ذات النحو فإن المصريين لن يجدوا أمامهم بعد انتهاء المفاوضات سوى سد مبني وفق المواصفات الأثيوبية وليخبطوا لحظتها رأسهم في الحيط.

رغم كل هذه الحيرة أشعر بالراحة أحيانا تجاه موقف مصر بشأن هذه القضية عندما أتذكر تصريحا عاما أدلي به الرئيس السيسي أشار خلاله إلى أن البعض يحكم في ظل غياب معلومات مما يؤدي به إلى تبني مواقف خاطئة. خذ هذا المثال.. لقد دعا البعض السادات مثلا إلى دك إسرائيل خلال حرب اكتوبر فيما كان الأخير يرى أن أمريكا على استعداد لدك مصر نوويا في حالة مثل هذه فآثر طريقا أميل إلى السلمية دون أن يصارح المواطن العادي بمخاوفه أو بدواعي عدم إقدامه على الدك الذي يدعوه الناس إليه. فصانع القرار بما لديه من دوائر معلوماتية واستخباراتية قد يكون لديه صورة أفضل تجعله يرى ما لا يراه العامة.  أجد نفسي أحيانا أتساءل هل هناك معلومات لا نعرفها وعلى أساسها يتحرك صانع القرار تعكس طمأنينة وعدم قلق الدوائر الرسمية والذي نشعر به نحن كمواطنين بل وخبراء؟ تراودني هنا أفكار ساذجة طفولية فأقول لنفسي هل مصر مثلا تحاول أن تشعر أثيوبيا بالخطر لكي تشاركها فوائد السد؟ هل هناك مخاطر من تصلب موقف القاهرة في شأن سد النهضة من أن يتشدد خصومها بالمقابل في قضايا أخرى ترى أنه لا داعي لتشددهم فيها؟ هل ..؟ هل..؟ وأجد أن «الهل هل .. ــة» تتواصل معي حتى أصاب بدوار وأشعر أن رأسي يكاد ينفجر!

يمر على خاطري السؤال لو أن الأمر كذلك فهل يجوز لصانع القرار أن يدير أزمة دون أن يصارح مواطنيه بخفاياها حرصا على ما يراه هو الصالح العام؟ شحذت ذهني ولجأت إلى القياس ووجدت أنه على المستوى الديني فقد أجاز بل حرم الغزالي وابن رشد مثلا خوض العوام في علم الكلام خوفا على عقائد هؤلاء العامة. ألا يمكن اعتبار أنه لا يجوز للمواطنين الاطلاع على خبايا قضية مثل سد النهضة للمصلحة العامة؟ يتواصل معي التفكير لحد شعوري بأنني أصل لمرحلة الهذيان.

تطمئنني مرة أخرى تصريحات الرئيس السيسي خاصة حين راح يطالبنا ، بلغة لا يمكن أن يشكك بها سوى مغرض، بأن نطمئن وأنه لن يضيعنا. يزداد مستوى الطمأنينة لدي حين أتذكر أن الرئيس كان رئيسا لجهاز المخابرات الحربية، بما قد يعني في النهاية أنه، بما يتوافر له من معرفة بأبعاد وخبايا مختلف القضايا،  يرى ما لا نراه ويعلم ما لا نعلمه.

غير أن الفأر يعود لكي يلعب في صدري وأقول إن أزمة السد تتعلق بمستقبل أجيال فهل يتم تركها تسير كيفما اتفق على هذه الخلفية؟ إزاء هذا الدوار لا أجد أمامي سوى اللجوء إلى طريقتي التقليدية بشد المخدة على رأسي من أجل الاستغراق في النوم هربا من تساؤلاتي التي لا أجد لها إجابة!

[email protected]