رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يتميز المصريون بخفة الظل والدعابة والفكاهة، فهم يختلفون عن غيرهم من سائر الأمم بروحهم المرحة، حتى في أحلك الظروف وأشدّها مرارة وقسوة، ولذلك قد تجد من يفاجئك عندما تكون عابسًا بالقول: "سمعت آخر نكتة"!

السنوات الأخيرة، تبدَّلت فيها الحال، لتجد من يُمازحك قائلًا: "سمعت آخر فتوى!"، على اعتبار أن الفتاوى الآن أصبحت مثل النكات، حتى أن البعض يطالب بإنشاء جائزة أو مسابقة لمن يُطلق أسرع أو أغرب فتوى، شريطة أن تكون تلقائية وجديدة ومبتكرة!

قبل ساعات قال لي أحد الأصدقاء "سمعت آخر فتوى؟"، فطلبتُ منه أن يعيد ما قاله، فربما سمعتُ جملته بالخطأ، ولكنه أخبرني أنه يتحدث بجدية، ليقول إن "الشيخ الجفري"، أفتى أن الحب فريضة والزواج العرفي بين الطلاب حلال!

"النكتة" بالفعل ألقاها "الحبيب" على مرأى ومسمع ثلاثة آلاف من طلبة جامعة القاهرة في "لقاء مفتوح"، مؤكدًا "وسط تصفيق حاد" أن حب الشاب للفتاة "زميلته" واجب شرعي!

قلتُ لصديقي، ما زلتُ حافظًا لفتاوى "نكات" أقوى مما ذكرت، بل إنني متابع لإصدارات مهمة مثل "سلسلة الغرائب والعجائب لفتاوى المصاطب"، و"فتاوى الترهات في أكل البلح الأمهات"، و"الفتاوى الستة في إعداد طبخ الفتة"، كما أحتفظ في مكتبتي الخاصة بمجلد "الحاشية اللولبية في الكنافة والمهلبية"!

مع الأسف.. أجدني غير مستوعب لهذه الحالة الصادمة والمتناقضة، لما آلت إليه أمور الفتوى والقائمين عليها، بعد أن أصبحت مستباحة من دون ضوابط، ما يجعلنا نشعر بالأسف والأسى على "هيبة" الفتوى، وكأن هؤلاء الذين يتصدون للإفتاء لم يقرؤوا يومًا حديث "أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار"!

ربما لم ولن تُسعفني الذاكرة في حفظ "النكات" أو الفتاوى، ولعل ما لا يمكن أن يبرح الذاكرة تلك الفتاوى التي تقضي بجواز "تخلّي" الرجل عن زوجته، في حال تعرضها للاغتصاب أمام عينيه، أو "التعرى خلال المعاشرة الزوجية"، و"إرضاع الكبير"، و"وجوب التفريق بين الزوجين إذا كان أحدهما إخوانيًا"، أو "حرمة لمس المرأة لفاكهة وخضراوات بعينها إلا بعد تقطيعها"!!

ما يؤسف له حقًا أن الفتاوى لم تعد مقصورة على "رجال الدين"، بل إنها أصبحت "ساحة اجتهاد" للفنانين والصحفيين، وقبلهم السياسيون، ما جعل "العلماء والشيوخ" يشتغلون بالإعلام، وأحيانًا بالسياسة ـ بحسب الطلب!!

وما بين فتاوى "الفنانات" و"العالمات" عن "إباحة مشاهدة الأفلام الجنسية، وجواز "ممارسة الجنس قبل الزواج" و"أن الرقص الهادف في شهر رمضان حلال"، فليس بمستغرب تلك "النكات" الأخرى التي تجعل من"السيلفي" داخل الحرم "شِرك" وأن "الحشيش حلال وليس من المحرمات"!

وعلى هذا الأساس يمكن المفاضلة بين "النكات"، لاختيار أفضلها من بين "أسرى الحروب من النساء هن ملك يمين"، أو "جواز تقديم الدجاج كأضاحي"، أو اعتبار "ممارسة الجنس بين الرجل والمرأة غير المتزوجين بغاءً وليس زنا"!!

ما زلنا ننتظر عرض برنامج مسابقات "الفتاوى" لنعلم ما غفلنا عنه من أمور الإسلام الوسطي الجميل، بعد استبعاد "نكات" أخرى، حول عدم وجود ما يسمى "عذاب القبر"، أو فريضة "خلع الحجاب"، وغيرهما من الفتاوى التي سيتم استبعادها من المراحل الأولى للمسابقة!

بالطبع، المجال لا يتسع لذكر هذه "الترهات" التي تصيب بالملل والغثيان، وتُشغل الناس عن أمور أخرى أهم وأنفع، ولذلك فإننا أمام واقع صعب يتعلق بالفتاوى وتعدد الجهات والأشخاص المعنيين بإصدارها، فما يصدر من بعض الآراء الفقهية، يثير البلبلة ويُحدث نوعًا من النفور والتهكم والسخرية، نحن في غنى عنها، أو حتى إثارتها بالأساس، كما أن المجتمع ليس في حاجة لهؤلاء "المتطوعين" المتحدثين باسم الدين!

إننا نعيش مأساة حقيقية في مجال الفتوى، و"شبهة استدراج متعمدة"، للخوض في أمور "تافهة" لا قيمة لها ولا ضرورة لطرحها، من أشخاص قد لا يمثلون أية مرجعية دينية معتبرة.

نتوقع ارتفاع أصوات غاضبة وردود أفعال باهتة، سرعان ما تخفت، من دون اتخاذ خطوات عملية وواقعية لكبح جماح هؤلاء "المتنطِّعين" الذين لا يتوانون عن إصدار تلك الفتاوى المسيئة.

يجب منع هؤلاء الذين يُشغلون الناس بـ"التفاهات" والتصدِّي لمروِّجي ومُطلقي النكات "البغيضة"، لأنهم يمتهنون المتاجرة بالدين، ولا يستندون إلى الشريعة الصحيحة في إصدارها، بل إن ما يخرج عنهم يعبر بصورة أو أخرى، عن خلل فكري يتنافى مع الفطرة السوية!

[email protected]