رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

مع تنامي التطرف الأصولي، وتكرار الهجمات الإرهابية في الغرب، خلال الفترة الأخيرة، تعالت صيحات العنصرية البغيضة من أفواه كريهة، بعدم صلاحية الإسلام للتعامل مع قيم الحضارة العصرية، وحصار المسلمين في بلدانهم!

بكل أسف، عادت إلى الصدارة، تلك الأفكار والسياسات والنظريات العنصرية، الكامنة تحت الرماد، كما تعاظمت الضغوط الرسمية والشعبية في مختلف أرجاء العالم، لضرب طوق من العزلة على مجتمعاتنا، وتهميشها وحرمان شعوبها من التضامن والتعاطف إزاء ما تتعرّض له من معاناة!

كان المثقفون الغربيون ـ حتى القرن السابع عشر ـ يرون الإسلام مثالًا يُحتذى، وأنه دين عقل وحكمة، نظرًا لغياب تسلط السلطة البابوية على الدولة، وروح التسامح السائدة والإنسانية التي كانت تطبع حياة المسلمين.

الآن.. وبعد ما حدث من أفعال همجية وهجمات غبية، شنها متطرفون مخبولون، تولدت نزعة قوية وقناعة لدى الغربيين، أن الإسلام خصم، والمسلمون محنطون متخلفون، يعيشون في مجتمعات غارقة في الاستبداد والرجعية، لا يعرفون معنى الحرية، ولا الحق والقانون، ولا المواطنة!

باتت النظرة الغربية إلى المجتمعات الإسلامية، أنها قطعت صلاتها بالحداثة والمدنية، وبدأت الشكوك تظهر من جديد في مقدرة المسلمين على الانخراط الفعلي في مسيرة الحداثة، ولذلك فإنهم "المسلمون" سيظلون عاجزين، عن "التحضر"!

لا نبالغ القول بأن ما نشهده، اليوم، هو تحقيق "نبوءة" الغرب، في صراعه من أجل فرض الوصاية على مجتمعاتنا، لأن المسلمين ـ برأيهم ـ متهمون بالتقليد والجمود، فأصبح يتبنى هذه الصورة، ويطابق بين الإسلام والعداء للحداثة، سواء أكان باسم تطبيق تعاليم الإسلام، أو الدفاع عنه ضد أعدائه، أو مقاومة الهيمنة والغطرسة الغربية.

بأفعال بعض الإرهابيين الحمقاء، سنحت الفرصة للمغالين والمتطرفين في الغرب، تبني فكرة أن الإسلام "المصدر الرئيسي للتهديد"، لأنه تحول برأيهم إلى بؤرة منتجة لجميع المخاطر والتهديدات، وانتشار العنف والإرهاب وتهديد الاستقرار الإقليمي والدولي، وانتشار النزاعات حول العالم.

لم تترك وسائل الإعلام العالمية الفرصة السانحة، لشن حملات ممنهجة على مظاهر "انحطاط" الإسلام والمسلمين وعجز ثقافاتهم عن مجاراة الإنجازات الإنسانية في كل مجال، وتناقض نزعاتهم العنفية مع قيم التعاون والتعايش والسلام، وفساد حكامهم ونظمهم، وتخبط مفكريهم ونخبهم، وابتذال سياساتهم الداخلية والخارجية.

إننا نعتقد أن الفترة المقبلة، ستشهد تحولًا دراماتيكيًا، بعد أن تنتشر مشاعر الكراهية والعنصرية والأعمال الانتقامية ضد أبناء الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب، لتزداد الضغوط على الحكومات، ليس أقلها تطبيق إجراءات استثنائية لتقييد حركة أبناء الجاليات الإسلامية.

ما يحدث الآن باعتقادنا، هو بداية "عزلٍ" للمجتمعات الإسلامية، في مواجهة تنامي موجتي الإرهاب والهجرة، ما يؤدي بالتالي إلى محاولة "ضبط" المجتمعات الإسلامية، وإخضاعها بجميع الوسائل، حتى لو تطلب الأمر تدخلًا عسكريًا أو حصارًا اقتصاديًا!

أكثر ما نخشاه ولا نتمناه هو اتخاذ الغرب تلك الأحداث المؤسفة، ذريعة لدعم النظم الاستبدادية المتسلطة في العالمين، الإسلامي والعربي، وتجديد عصر الوصايات والحمايات الأجنبية ونزع غطاء السيادة والشرعية الدولية عنها.

إننا لا نتمنى وقوع السيناريو الأسود، والذي يتمثل في زيادة عزلة المجتمعات الإسلامية، وبالتالي حصارها وتهميشها، لأن النتيجة ستكون تحول التيار "الجهادي" في هذه المجتمعات إلى قوة رئيسية، في العقدين المقبلين، بدلًا من أن تتضاءل "جاذبية" أفكاره.

إن العالم "الحديث"، أقل قدرة على مقاومة التخريب والتقويض من الداخل، وتكاد هشاشته تكون موازية لقوته وإنجازاته، ولذلك يجب أن يُعيد الغرب حساباته مرة أخرى، أو أنه سيجد نفسه، في السنوات المقبلة، أمام مشكلات مستعصية لا حلول لها!

أخيرًا.. لن نستطيع أن ندفع الغرب إلى تبنِّي سياسة إيجابية، وإقناعه بخطأ نظرياته تجاه مجتمعاتنا، ما لم ننجح نحن أولاً، في أن نتصالح مع أنفسنا، ونتجاوز انقساماتنا، وننقذ مجتمعاتنا من التخبط والضياع، وإعادة ترميم حياتنا المدنية والفكرية وأخلاقنا الإسلامية الصحيحة، كما نرجو يوماً ما، في زمنٍ ما، أن يعيش أطفالنا حياة طبيعية، بلا أي إرث للمظلوميات التي حدثت على مدى قرون.