عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في حديث ودي مع وزير الثقافة الأستاذ حلمي النمنم بدا لي أنه يعلق آمالا كباراً على الدور الذي يمكن أن تلعبه قصور الثقافة في تعزيز مهمة النهوض بالمجتمع والخروج من الحالة المتدهورة التي نعيشها على الصعيد الثقافي. للوهلة الأولى تصورت أن ذلك يأتي على خلفية المعركة التي نذر الوزير لها نفسه وعبر عنها في حواراته المختلفة التي أدلى بها فور توليه منصبه وتتعلق بمواجهة التطرف باعتبار ما يمكن أن تؤديه مهمة النهوض بالثقافة من ترويض لقوى التشدد. غير أن الصورة على أرض الواقع تبدو غير مبشرة، وهو ما قد يكون الوزير لمسه بنفسه على الأقل خلال بعض جولاته التي قام بها.

وتكشف المتابعة عن قرب لأداء قصور الثقافة، وحديثنا هنا ينصرف إلى تلك المنتشرة عبر محافظات مصر ومدنها، عن محدودية الدور الذي تقوم به والذي يناط بها في أن تكون مجالاً لاستيعاب الطاقات المختلفة لأبنائنا وتنمية مواهبهم الثقافية والفنية وغير ذلك. ولا يأتي ذلك من تقصير في دور الدولة إن لم يكن على العكس، حيث إن المفارقة أن الدولة تنفق بسخاء من أجل توفير بيئة مناسبة لجذب الأطفال والشباب وأصحاب المواهب لكي يجدوا ذواتهم في هذه القصور. خذ مثلا قصر الثقافة الذي افتتحه النمنم الأسبوع الماضي في إسنا. لا أدرى حجم الميزانية التي تم تخصيصها لإنشائه ولكن الأمر الذي يمكن التأكيد عليه باطمئنان أن القصر تم إنشاؤه على أفضل مستوى ووفق أحسن المواصفات. موقع متميز على النيل يحلم الكثيرون منا من أهل القاهرة بإطلالة عليه.. صالات وغرف واسعة مجهزة تجهيزاً أكثر من مناسب، إلى جانب تزويده بأحدث الكتب وأفخمها وأكثرها ارتفاعاً في الثمن خاصة للأطفال، ومن المتصور أنه لو تم الاستفادة منها كما ينبغي أن يكون، لصح لنا الحديث بيقين عن توقع أن نشهد روائياً عبقرياً، وشاعراً فحلاً وموسيقياً فناناً، وعالماً فلكياً.. من أبناء إسنا حيث يقع القصر.. إلخ.

الشىء الوحيد الذي يمكن أن تعيبه على القصر هو عدم الأخذ بالتنبيه الذي أشار إليه طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» حين طالب بألا تفوق المدارس في مستواها بيئة الطالب حتى لا تحدث حالة من الخلل النفسي لديه، غير أن ذلك أمر يحسب، في تقديري، لمن قام على إنشاء القصر حيث يمكن أن يوفر بمستواه الرائع مجالاً للاستقطاب والحرص على الحضور من قبل أبناء المنطقة.

غير أن المشكلة أن كل هذه الثروة تضيع هباءً بفضل عدم الاستغلال الأمثل لها من قبل القائمين عليها، وإذا كان من المبكر الحكم على تجربة جديدة كتلك باعتبارها لم تدخل مجال التطبيق، فإن حكمنا يأتي من تجارب أخرى قائمة تكشف عن أن أغلب قصور الثقافة خاوية على عروشها لا يكاد أن يقربها الرواد سوى في المناسبات. الأمثلة التي يمكن تقديمها عديدة، لكننا نشير هنا إلى نموذج عملي عبر الوزير بنفسه عن دهشته منه وهو وضع قصر ثقافة الأقصر، وهو قصر للأقصريين أن يفخروا بوجوده، غير أن أداءه ليس على المستوى المطلوب. يكفي أن نشير إلى أنه يوجد بالقصر مسرح يسع لأكثر من 550 شخصاً وهو ما يفوق العدد الذي يمكن لأحد مسرحي الأوبرا في العاصمة أن يستوعبه، دون أن يتم استغلال هذا المسرح على النحو الملائم. ليس ذلك فقط بل إن القصر يضم غرفاً لاستقبال الضيوف بما قد يوفر تكاليف الإقامة الفندقية لأي فرق قادمة من خارج الأقصر مثلا، غير أن البيروقراطية يبدو أنها تقف عائقاً أمام فكر تنشيط الحركة بالزوار والأنشطة الثقافية والفنية التي ترتقي بوضع المحافظة، إلى جانب الآثار، وتعزز فكرة وضعها كعاصمة للثقافة العربية عام 2017.

وحتى لا يكون الكلام مرسلاً أشير إلى مثل آخر هو قصر ثقافة الحي السابع بمدينة أكتوبر، حينما تزور هذا القصر، ينتابك ذات الفكرة التي أشرت إليها من قبل بشأن سخاء الدولة سواء في مساحة القصر أو تجهيزاته أو حتى المبالغ المخصصة لصيانته وتطويره، غير أن ما يحزنك أنك إذا زرت القصر، وفي هدأة الليل لن تسمع سوى نعيق البوم. المفارقة أنه يقوم على إدارته مثقف وأديب يحاول جهده تفعيل دور القصر وتحويله إلى خلية نحل تنشر الثقافة في ربوع المدينة.

أين الخلل؟ هو في بنية البيروقراطية المصرية التي تكبل الوزير قبل الخفير، وتجعل أداء هذه القصور بعيداً عن الإبداع الذي هو السمة الأساسية المفترضة للهيئة التي تقوم على إدارتها. الخلل هو في مفهوم العاملين بهذه القصور، والذين يتصور أغلبهم أنها ليست سوى مستودع لتلقي إعانة بطالة، والتكالب فيما بعد على تحسين مستوى الرزق من خلال الحوافز والبدلات وخلافه والقيام بأعمال أخرى في أوقات العمل الرسمية وغير الرسمية. لم أندهش مرة عندما حضرت بالمصادفة لقاءً راح فيه متحدث باسم الموظفين يطالب رئيس الهيئة الحالي الأستاذ محمد عبدالحافظ بمكافأة عن عمل يقع في صلب اختصاصهم، فكان رده حاسماً في أنه ليس من المناسب أن يطلب المرء مقابلاً إضافياً عن عمل يتقاضي بالفعل مقابله.

أعترف أنني حتى فترة قصيرة مضت كنت أتصور أن الدولة تبخل على الثقافة وتضعها في ذيل اهتمامها، غير أنه مع الاقتراب من الواقع بدا لي عدم صحة تصوري، غير أن ذلك لا ينفي السبب في هذا التصور وهو تراجع مستوى الثقافة في مصر. وإذا لم أكن في وارد وضع خطة للنهوض بأداء هذه القصور، فإن الانطلاقة الأولى في تقديري تبدأ مما يمكن وصفه بـ«تثوير» أداء قصور الثقافة وغيرها من الهيئات المماثلة، الأمر الذي أتمنى أن ينجح في تحقيقه وزير الثقافة الحالي، رغم كل شكوكي في إمكان الإجهاز على غول البيروقراطية المصرية!

[email protected]