عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على وقع قضايا الفساد التي تم الكشف عنها مؤخرًا، لا أعرف لماذا خطر على بالي إعادة قراءة القصة التراثية الشهيرة "علي بابا والأربعون لصًا"، تلك القصة الخيالية المعروفة التي ألهمت الكُتَّاب والفنانين في أنحاء العالم.

تدور أحداث القصة حول حطَّاب عربي بسيط يُدعى "علي بابا"، والذي يسمع بالصدفة كلمة السر التي تفتح باب المغارة التي يخبيء بها عصابة (تتألف من أربعين لصًا) كنوزهم.

بفضل كلمة السر "افتح يا سمسم" تمكن "علي بابا" من الحصول على الكنوز المخبأة في المغارة، وفجأة يعلم اللصوص بمكانه من خلال جاره الحاسد الذي وشى به، وقرروا الذهاب إلى بيته لقتله واسترجاع الكنوز.

أرسل اللصوص جاسوسًا ليعرفوا منزل "علي بابا" ويضعوا عليه علامة لكي يذهبوا إليه في الليل لقتله، فقامت زوجته "مرجانة" بعد رحيل الجاسوس بمسح العلامة ووضعها على باب الجار السيئ وذهب اللصوص وقتلو الجار وليس "علي بابا"!

القصة ليست من قبيل السرد للتسلية، أو الإتيان بها للأطفال قبل النوم، خصوصًا إذا كان الأمر يتعلق بـ"الفساد"، الذي يعد أصعب ما قد تواجهه أيُّ دولة، وأكبر آفة على طريق التقدم، وأصعب عقبة تواجه تحقيق خطط التنمية.

باعتقادنا؛ هناك أنواع للفساد، لا يخلو منها أي مجتمع، وفي مقدمتها الفساد السياسي، (إساءة استخدام السلطة، لأهداف غير مشروعة كالرشوة والابتزاز والمحسوبية أو الاختلاس)، والفساد المالي (مجمل الانحرافات المالية)، ثم الفساد الإداري، (مختلف أشكال الانحراف الوظيفي أو التنظيمي، أو المخالفات التي تصدر عن الموظف العام خلال تأديته لمهام وظيفته الرسمية).

أما الجوانب الأخرى من الفساد، فالقائمة تطول لتشمل "الأخلاقي والاجتماعي".. وغيرهما، إضافة إلى الفساد الفكري؛ بما يحمله من "تغييب" للوعي، و"غسيل" للأدمغة، و"دغدغة" للمشاعر، و"اللعب" على "أوتار" التعصب، وتأجيج الكراهية.

عندما يكون الفساد "سرطانيًا" ومتغلغلًا في مؤسسات الدولة وبنيتها وتركيبتها البشرية، في ظل تقارير تتحدث عن أن الفساد في مصر يهدر 800 مليار جنيه سنويًا، فإن هذا الأمر خطير لا يحتمل السكوت، ويحتاج إلى إجراءات عاجلة.

ما يزعج حقًا هو أننا ليس لدينا خطة واضحة لمكافحة الفساد، لأننا؛ بكل أسف؛ نعمل بطريقة موسمية، في ظل عدم تفعيل الأجهزة الرقابية واستقلاليتها عن الأجهزة التنفيذية، رغم أن الدولة اتخذت مؤخرًا تدابير احترازية لمواجهة الفساد، أسهمت في تحسن ترتيبنا في المؤشر العالمي، إلى المرتبة 94، من بين 175 دولة!

علينا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة الصعبة ونعترف بأن وباء الفساد فى بلادنا أكبر بكثير من أن نتوهم أن واقعة بعينها، تعد دليلًا على مجابهة الدولة للمشكلة من جذورها، وعلينا؛ إن كنا جادين في مواجهة الفساد؛ أن نُقر بأن محاربته لم تتحرك لدينا حتى الآن بما يتناسب مع الكارثة، التي لم نتخذ بصددها إجراءات فاعلة وحقيقية، في ظل الصمت عن مخالفات رصدها "الجهاز المركزي للمحاسبات" منذ أعوام، طالت الكثير من المسؤولين والشخصيات العامة، ومئات الانتهاكات التي تم الإبلاغ عنها!

كما لا يمكن أن نقلل من أهمية التصدي الحقيقي لكابوس الفساد بدعوى أننا ورثنا تركة ثقيلة، وأن الإصلاح يجب أن يكون تدريجيًا وممتدًا لفترة طويلة، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار، فمشكلة الفساد ومحاربته أصبحت "فرض عين" أسوة بمواجهة الإرهاب.

إننا نُطالع كل يوم، أرقامًا فلكية لأشخاص أصبحوا "مليونيرات"، يمتلكون المليارات، ظهروا على السطح فجأة، ولا يستطيع العقل أو المنطق استيعاب النشأة المفاجئة لهؤلاء الذين ينتمون إلى طبقة طفيلية لا أحد يعرف من أين حصدت أموالها ولا في أي نشاط إنتاجي تُديرها!!

إن الوصول إلى جذور الفساد قد يكون صعبًا، لكنه أبدًا لن يكون مستحيلًا، والحرب ضد الفساد هي أخطر التحديات التي تواجه الدولة، لأنها مسألة مصير، كما أن القبض على وزير الزراعة السابق بتهمة الفساد إشارة لها قيمتها، لكنها لا تكفي، لأننا شهدنا من قبل قضايا فساد مماثلة في وزارات أخرى قيل في وصفها إنها "كبرى"، غير أن البيئة العامة لم تختلف ومستوى الفساد لم يتراجع!