رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لم تفارق ذهني تلك الصورة المؤلمة التي تختصر مأساة التغريبة السورية، ورحلات الموت، وزوارق المعاناة.. صورة الطفل الملائكي الذي نام وافترش البحر سريرًا، وترك للعالم فجيعة لا تجرؤ كلمة على الاقتراب من معناها!

فجرت صورة ذاك الصغير النحيل كل مشاعر الغضب نحو هذا العالم "المتفرج".. غضب من العرب والغرب، من الحكام والمحكومين، من المستبدين والأحرار والمستضعفين.. غضب من تلك المنظمات العاجزة.. غضب وحقد من نظام هجَّر ونكَّل بالملايين من شعبه، ليأتي "داعش" و"النصرة" لإكمال المهمة!

لا أعتقد أن إنسانًا تدب في أوصاله ذرة من نخوة أو شهامة أو إنسانية، استطاع أن يغمض له جفن أو يخلد إلى النوم بسكينة وطمأنينة، بعد أن رأى هذا المشهد الأليم، لذاك الطفل الذي رجَّ الأرض بجسده الملائكي، الذي تلاعبت به الأمواج!

أتخيل هذا الملاك الطاهر الوديع، وهو يصارع الموت، قد ترك وصيته لهذا العالم "الشقي"، "الأسير" للمعادلات والتوازنات والحسابات المعقدة، "المدَّعي" لحقوق الإنسان، "الهاتك" لقيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية!

 

أيها العالم:

"اسمي إيلان كردي أو باللغة العربية حامل لواء النصر. إن رهانك المبالغ فيه لتحقيق العدل، لا يمكن أن يتحقق، في بيئة هشة، مليئة بالثغرات والتناقضات، لأنه يظل مغامرة غير محسوبة، ومقامرة كبرى، ليس لها حدود أو سيناريوهات بديلة".

"أرى أنني رحلت عن عالمكم (الغبي) المفعم باليأس والأفكار البالية.. بعد أن أصبحت العدالة الإنسانية، مجرد أسطورة، تحكيها كتب التاريخ في الأزمنة الغابرة، ولا مجال لها في عالمكم اليوم، الذي تبلدت فيه المشاعر والأحاسيس، ولا يُحرك فيه ساكنًا، موت طفل أو امرأة أو شيخ مسن، على شاطئ أو تحت القصف أو من البرد والجوع".

"كعادتك؛ وكما حدث مرارًا وتكرارًا، عند كل نكبة؛ يصم الجميع آذانهم، ويتقاعسون عن نُصرة المظلوم والملهوف والمستغيث، ثم تبدأ في الوقت الضائع ذرف دموع التماسيح، على لوعة الضمير والإنسانية المعذبة"!

"إنني أرثي عدالتك المزعومة، التي غابت أمام سمع العالم وبصره، وماتت بموت الضمائر التي لفظت أنفاسها الأخيرة، ودُفنت على رمال شاطئ (بحر لُجِّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض)"!

"سأترفع عمن ظلمني، وسلب حقي في الحياة، لأنني الآن في عالم أرحب، لا ظلم فيه ولا حقد.. عالم تتجسد فيه أسمى معاني القيم والفضيلة والمحبة.. أما أنت أيها العالم "الظالم" فستظل في تيه وحيرة وحسرة، ولن تندمل جروحك إلا بقوة الحق التي تكسر غرور قوتك وظلمها واستبدادها، وهذا ما لن يتحقق"!

 

أيها العالم:

"إذا لم تُغيرك صورتي التي رأيتني عليها، فما الذي سيغيرك؟!.. لقد جسَّدَت مأساتي حال بلدي المثخن بالجراح.. أما زلتَ تتجاهل أن تنظر إليَّ؟.. إنني هذا الطفل الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، الملقى في العراء وحيدًا على شاطئ "المتوسط"، بسُترتي الحمراء وسروالي الأزرق فقط.. بعد أن فقدت أسرتي وأصدقائي في قارب الموت"!

"انقلب وجهي لتلامسه الأمواج، بعد أن لفظني البحر لكي يفضح عاركم.. لم يُرد البحر أن يسحبني إلى أعماقه، لأنه تعب من سماع الآهات المخنوقة.. تعب البحر ولم يمل العالم المنافق من الكذب والضلال".

"ربما لن تجد مبررًا للسكوت عما آل إليه مصيري وملايين غيري، كما لن تجد دفاعًا عن تخاذلك في دعم عدالة قضيتي، ولكنني على يقين من أنك تعج بالمنافقين والمضللين والأفاقين وعلماء السلطان والساكتين الخانعين، لكنك لن تتردد في مواصلة إلقاء المحاضرات حول حقوق الإنسان"!!

 

أيها العالم:

"رحلتُ بجسدي، ولكني في عالم الخلود الأبدي، عند من اشتقَّت الرحمة والعدالة من اسمه.. فقط أهمس لك بنصيحة تذكرها جيدًا: إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص للذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى".