رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعيدًا من موجة الحر التي لم تشهدها البلاد على مدى عقود طويلة، وأودت بحياة العشرات، لم يكن الجدل الدائر منذ أشهر قبل التصديق على قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر أخيرًا، أقل سخونة من لهيب الشمس ودرجة الرطوبة العالية، خصوصًا بعد استبدال الحبس للصحفيين بالغرامة الكبيرة.

تزامن ذلك مع الذكرى الثانية لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، التي مرت قبل أيام، من دون أي صخب يُذكر أو ما يعكر الصفو، بل لعل خبر القبض على الإعلامي توفيق عكاشة لتنفيذ حكم قضائي صدر ضده قبل عامين، حظي باهتمام واسع فاق إحياء ذكرى الفض!

من خلال قراءة متأنية "محايدة" للحدث الأبرز، بعد عامين على وقوعه، نجد أن هناك تفاوتًا في التناول الإعلامي والسياسي، خصوصًا في ما يتعلق بأعداد ضحايا فضّ الاعتصامين بالقاهرة والجيزة، لكن الجميع يدرك أن آثاره الممتدة في كل أرجاء البلاد لم تتوقف حتى الآن.

عامان شهدا تغيرًا واقعيًا وعمليًا ملحوظًا، تبدَّلت فيهما الكثير من الأدوار والقناعات.. حوكم البعض وأفلت آخرون، وجزء آخر "نجوا" بهروبهم خارج البلاد، ولم يكن هروبهم لمزاولة نشاطاتهم السياسية والإعلامية والحقوقية إلى دول عدة ـ أبرزها تركيا وقطر والسودان وماليزيا ـ سوى نقل الفشل إلى خارج الحدود، و"النضال الثوري" من الغرف المكيفة والفنادق الفاخرة.

باعتقادنا لم تُحسن "جماعة الإخوان" قراءة المشهد منذ البداية، عندما نزلت بثقلها للمرة الأولى في تاريخها إلى معترك الرئاسة لتلاقي إحدى أصعب المحن التي واجهتها على مدار أكثر من ثمانية عقود ـ هو عمرها.

ولعل ذلك الخطأ هو الأكثر مرارة، بعدما لوحظ وجود انقسام حقيقي بين جيلي الشيوخ والشباب، حول قرار الترشح للرئاسة، لكن "الجماعة" ارتضت الوقوع في الفخ بإرادتها، فصدقت وعود الأمريكان بعدم ممانعتها في ترشيح واحد منها للرئاسة؛ وحكم مصر؛ تماماً كما فعلت السفيرة الأمريكية في بغداد قبيل غزو صدام حسين للكويت.

ارتضت "الإخوان" السير في طريق مجهول، أضاع مجهوداتهم لعقود "سرًا وعلنًا"، كما لم يفرقوا بين أمرين، دورهم التربوي الدعوي الاجتماعي، وبين مشاركتهم في الحياة السياسية، لأنهم لم يدرسوا طبيعة أو نفسية الشعب المصري، الذي وإن كان أعطاهم صوته فلا يعني أنه صك دائم أو "شيك على بياض".

إجمالًا، ستظل الحقيقة الكاملة غائبة في انتظار تحقيق مستقل حول الأحداث، التي انعدمت الأدلة المادية عليها، فلا مستندات أو وثائق حول إدارتها، تمامًا كأحداث كثيرة مهمة لدى الشعوب، قد تتضارب فيها البيانات، كما تختلف فيها التوصيفات.

ولأن الحدث بطبيعته سياسي، فليس مستغربًا أن تلتبس فيه الحقائق، وتتناقض بشأنه التقييمات التي يفترض أنها تاريخية وعلمية، لا سياسية فقط، ولذلك ليس من الحكمة تعجل إصدار أحكام نهائية، خصوصاً فيما يتعلق بالبُعدين السياسي والأمني للفضّ.

لكن، في الوقت نفسه، من الصعوبة غض الطرف عن الجانب الإنساني، أو ادعاء الحياد في توصيف ما حدث، الذي يعد جريمة ضد الإنسانية، فما جرى في "رابعة والنهضة" يتجاوز الخلاف السياسي أو التناقض الفكري، بل والتجاوز الأخلاقي للقيم والمبادئ.

إن منطق المؤيدين والمبررين للفض بالقوة، يظل بعيدًا من الحس الإنساني.. وعلى رغم كل محاولات تأريخ الحدث، فإن التاريخ لا تكتبه لجان تقصٍّ حكومية، أو وسائل إعلام غير محايدة، لأن الأحداث الجسام تكتب تاريخها، وتجد من الشواهد والشهود ما يدحض الأكاذيب.

برأينا غاب البُعد الإنساني في "رابعة" و"النهضة" عن هؤلاء الذين كانوا قائمين عليهما وتمسكوا بوجودهما حتى احترقا بمن فيهما، حيث تم التلاعب بمشاعر المعتصمين وأفكارهم، وتصدير ارتباط مفهوم الاعتصام بقيم سامية، مثل الجهاد والثبات يوم الزحف، فضلًا عن الشعار الشهير "هي لله"!

يكفي لمن لم يتابع تفاصيل المشهد أن يسترشد بما قاله القيادي الإخواني حمزة زوبع، قبل أيام، ليدرك أن الأمر ربما كان أداة سياسية لإدارة الأزمة، ومنبراً إعلاميًا لبث الرسائل والحفاظ على تماسك التنظيم وتعاطف المؤيدين، لكنه أبدًا لم يكن عملاً إنسانيًا أو أخلاقيًا!

بالتأكيد، لا أخلاق في توظيف أتباع، وحشد مؤيدين، ثم التفاوض باسمهم على غير ما اجتمعوا عليه، وبالطبع، لا مجال للحديث عن الإنسانية في حرقهم بتركهم يواجهون المصير، على رغم العلم مسبقًا بما سيجري، أو أي فظاعة ستحل بهم. 

قد نختلف على من أصاب أو أخطأ في تقديراته، لكن من الصعوبة بمكان تبرئة أي طرف إنسانيًا، لأنه سيأتي يوم يشهد التاريخ على الجميع بما قدم وأخر، وحينئذ سيُحاسب كلٌ بما جنته يداه، ولن يكون هناك في يوم الحساب "حظر للنشر".