رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

هات كل ما جاء في الصحف، وفي وسائل الإعلام بوجه عام، من غرق مركب الوراق يوم الأربعاء الماضي، ثم قارن بينه، وبين كل ما يأتي في الصحف نفسها، ووسائل الإعلام ذاتها، عن أي حادث كبير علي الطريق، وسوف تجد أنك أمام صورة طبق الأصل!

فما يقال، في كل مرة عن كل حادث، حول مراجعة تراخيص السيارات، قيل عن مراجعة تراخيص مراكب النهر.. غير أن هذا قد جاء في الوقت الضائع لأنه جاء بعد أن فقد 40 مواطناً، حياتهم، حين غاص بهم المركب، في القاع!

وما قيل عن رد الفعل علي مستوي الحكومة علي مدي أسبوع مضي، مما وصفته بعض الصحف بأنه انتفاضة حكومية، قيل من قبل، مع كل حادث كان يهز الناس، بحجمه، وعدد ضحاياه، ثم لا نلبث أن ننسي!

والأصل في الموضوع في نظري، علي المستويين: مستوي النيل، ومستوي الطرق، هو تلك العبارة المهمة التي كان المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، قد أطلقها قبل فترة، عندما قال عن صدق، إن أمامنا معركتين متوازيتين، لا معركة واحدة، وأن إحداهما إذا كانت مع الإرهاب، منذ سقوط الجماعة الإخوانية الغبية، فإن الأخري مع الإهمال، ولا سبيل أمامنا سوي فوضهما معاً.

فالإهمال، ولا شيء غيره، هو الذي أغرق مركباً في نيل وسط القاهرة، بكل هذا العدد من الضحايا الذين لا ذنب لهم في شىء، سوي أنهم خرجوا ليقضوا ساعات من البهجة، في أيام العيد، فذهبوا إلي الآخرة، علي نحو مباشر!

وأياً كان السبب، في غرق المركب، فسوف يكون الإهمال، في النهاية، هو بطل القصة كلها من أولها لآخرها!

سوف يكون بطلها، لأن عندنا ثلاث جهات علي الأقل، تظل مسئولة عن النهر، بامتداد ألف كيلو، هي هيئة النقل النهري، وشرطة المسطحات المائية، وهيئة الإنقاذ النهري.

وعندما يغوص المركب، علي نحو ما غاص، فلا ينجو منه إلا واحد فقط، فليس لهذا من معني، سوي أن المسئولية تبقي مُعلَّقة في رقاب هذه الأجهزة الثلاثة، أو في رقبة جهاز واحد منها في أقل تقدير!

شخص مسئول في هذه الأجهزة الثلاث، أو في جهاز منها، أهمل في أداء واجبه، فقتل 40 مواطناً في لحظة.

إن المرء يشفق علي الحكومة، وعلي رئيسها، في أحيان كثيرة، لان هذا الإهمال الذي تجسد في أبشع صوره، في مركب الوراق، موجود في شتي المواقع، ويشكل ربما يكون أكثر وأشد بشاعة، وقد كنا نتصور أن صيحة من نوع ما أطلقها رئيس الحكومة عن ثنائية الإرهاب والإهمال في حياتنا كفيلة بأن يدرك كل مسئول في مكانه، أن عليه أن يخوض حرباً علي الإهمال، في موقعه، وألا ينتظر حتي تأتيه توجيهات رئيس الحكومة، أو حتي يغرق 40 إنساناً في دقيقة.. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولو حدث، ولو كان الضمير حاكماً لعمل الأجهزة الثلاثة المسئولة عن النهر، ما كانت هذه المأساة التي هزت كل قلب في أيام العيد!

إنني أتصور المهندس محلب، وهو يتعثر في طريقه، بأكثر من نموذج للمركب الغارق في حياتنا، وأتصوره وهو يسأل نفسه: منذ متي تراجع الأداء العام الناس إلي هذا الحد؟!.. ثم أتخيله وهو يتساءل أيضاً، بينه وبين نفسه، عن الطريقة التي يمكن بها إعادة الأداء العام إلي ما كان عليه، في أيام ليست بعيدة عنا، علي كل حال؟!

تسألني ما العمل، فأقول لك، إننا اعتدنا في كل حادث مماثل، أن نلوم الحكومة، وأن نوجه سهام النقد إليها، من أول رئيس الحكومة إلي أصغر وزير فيها، وأرد في هذه المرة أن أتوجه بالكلام إلي كل مسئول أصغر في البلد، لعله يدرك أنه ليس في إمكان الحكومة، ... أي حكومة.. أن تضع واحداً من رجال الشرطة، ليراقب كل مسئول، ولا في إمكانها أن تتولي إصلاح الحال وحدها، ما لم يكن الشعب، بكل أفراده، سنداً لها في كل وقت.

غير أنك تعود وتقول، إن كنس السلم يتم دائماً من أعلي، لا من أسفل، وأن هذا المنطق يجعل مسئولية الحكومة أكبر، بحكم أنها الحكومة، وأن مسئوليتها تقضي عليها بأن تتبني «نوبة صيحان» في كل موقع، بشرط أن يتسم عملها، وهي تؤدي مهمة كهذه، بطول النفس!

إننا نسجل للمهندس محلب، أنه صاحب شعار المعركتين، ونريد في الوقت ذاته، أن نسجل له، أنه قد أكمل الطريق، وأنه تبني الشعار، وراح يطبقه بكل همة، وفق برنامج عمل واضح، فضحايا الإهمال، لو أحصيناهم أكثر عدداً من ضحايا الإرهاب.. كما أن القضاء علي الإهمال، يخنق الإرهاب ويحاصره في مكانه!

معركتنا مع الإرهاب، هي المعركة الكبري، التي يحظي الجيش والشرطة فيها، بتأييد كل مصري.. أما المعركة الأكبر، فهي مع الإهمال، لأن الأول سوف يزول غداً، أو بعد غد.. أما الإهمال فخلاياه قائمة، وكامنة، ولا قضاء عليها إلا بحرب جماعية طويلة الأمد!