رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

»المقابر المزيفة«..أحدث طرق النصب على راغبى الثراء السريع

المقابر المزيفة
المقابر المزيفة

القاهرة..الإسكندرية.. بنى سويف والمنيا أشهر المحافظات.. وثغرات القانون وسيلة آمنة للهروب من العقوبة

 

 

 

«نصاب يخدع طماع».. ذلك ملخص وقائع عمليات التنقيب غير الشرعى عن الآثار.. حيل متعددة يقوم بها شياطين الإنس للحصول على القطع الأثرية وبيعها فى سوق عالمية غير شرعية، والنتيجة فقدان مصر لجزء كبير من كنوزها التى أصبحت تباع وتشترى فى كل أنحاء العالم.

 

الغريب أن هؤلاء اللصوص يقدمون الغالى والنفيس للحصول على هذه القطع الأثرية، حتى إنهم يقدمون أبناءهم وأرواحهم كقرابين لفتح المقابر الأثرية، وهو ما حدث مؤخراً حينما قدم محامٍ جسد طفلته البالغة من العمر 15 عاماً لدجال ليغتصبها أمام عينيه فى نهار رمضان ليفتح له المقبرة المزعومة!!

هذه الواقعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكنها واحدة من سلسلة حلقات للبحث عن الكنوز الأثرية فى أراضى مصر، والتى يجرمها القانون بينما يعتبرها الكثيرون الأمل لتحقيق حلم الثراء السريع.

المقابر المزيفة

منذ أيام قليلة وبينما الناس صائمون، ارتكب (محامى) فعلاً شنيعاً يندى له جبين الإنسانية، حينما قدم جسد ابنته لأحد الدجالين لاغتصابها أمام عينيه لفتح مقبرة أثرية، وتم اكتشاف الواقعة بعد أن تقدمت سيدة تدعى «ز.ع.ا» ربة منزل ببلاغ لقسم شرطة الجيزة تتهم فيه زوجها بالاستعانة بدجال لاستخراج آثار أسفل منزلهما، وأكدت فى بلاغها أن الدجال قام بالاعتداء على ابنتها أمام عينى زوجها بدعوى تحضير الجن.

 

تكشف هذه الواقعة مدى ما وصلت إليه حالة الهوس بتجارة الآثار فى مصر، وتنتشر هذه الممارسات فى العديد من المحافظات المشهورة بتوافر الآثار فيها مثل: الإسكندرية وسوهاج وقنا والأقصر وأسيوط. أما أطرف وقائع تجارة الآثار فكانت تلك الواقعة التى شهدتها منطقة «الحيبة» الأثرية ببنى سويف، حيث قام مجموعة من النصابين ببيع عدد من القطع المزورة لتجار الآثار الذين قدموا عروضاً سخية لشرائها على اعتبار أنها آثار حقيقية، ولكنها فعلياً عبارة عن تماثيل من الجبس، بل وصل الأمر بهم إلى إنشاء مقابر مزورة، وزيّنوها بنقوش فرعونية، وأوهموا راغبى الثراء السريع بأن المقبرة أثرية وباعوها لهم، وهكذا نجحت العصابة فى خداع تجار الآثار بغرفة «فنكوش الكنز» التى أقاموها تحت الأرض.

 

تطور عمليات النصب

وتعليقاً على ذلك قال الدكتور أحمد عامر، الخبير الآثرى ومفتش الآثار بوزارة السياحة والآثار والمتخصص فى علم المصريات، إن النصابين قاموا بإنشاء غرفة أسفل الجبل تؤدى إليها ثلاثة سراديب مزيفة أيضاً، مشيراً إلى أن كثيرين يبحثون عن الثراء السريع، لذلك اعتبروا تجارة الآثار هى الأسهل للحصول على ما أرادوا.

.

وأضاف أن تجارة الآثار أصبحت مورداً ثابتاً للتجار والمغامرين، وهناك صفقات تتم بمئات الملايين، لذلك أصبحت عمليات التنقيب عن الآثار منتشرة وبشكل عشوائى فى العديد من محافظات مصر، على الرغم من المخاطرة التى يتعرض لها المنقبون، ولكن العائد المادى أصبح هو الحاكم.

وحول ابتكار أساليب جديدة فى التحايل على المواطنين، رد الدكتور عامر قائلاً إن الشخص الطماع من السهل جدًا أن يتم خداعه بسهولة، فمعظم الحالمين بالثراء السريع يكونون فريسة سهلة للنصابين، كما أن اعتقاد بعض المواطنين بأن الثراء السريع لا يأتى إلا عن طريق نبش المقابر والتنقيب فى الجبال والحفر فى الأماكن القريبة من المعابد، دفع مئات المواطنين لسلوك هذا الطريق الذى يضر بالمصلحة العامة.

وسألت «الوفد»: هل إنشاء مقبرة مزيفة يحتاج لمتخصصين أم يمكن لأى فرد القيام بذلك؟ فأجاب الخبير الأثرى قائلاً: إن كلمة متخصص كبيرة جدًا، ولا يمكن إطلاقها على أى شخص، ولكن ربما يكون هذا الشخص صاحب موهبة سواء فى التصميم أو الرسم، لكن كلمة متخصص لا تطلق إلا على الشخص المؤهل والمدرب على هذا العمل، والنصاب يستغل عدم خبرة التاجر لذلك يقوم بخداعه.

وتابع قائلاً: معرفة ما إذا كانت المقبرة مزورة من عدمه لا تأتى إلا عن طريق متخصصين، بالإضافة إلى طريقة البناء نفسها، ومدى دقة الألوان والرسوم والنقوش الموجودة على جدران المقبرة، ومن السهل على المتخصصين اكتشافه، لأن مثل هذه الأعمال المزيفة يسهل اكتشافها.

وطالب الخبير الأثرى بمحاكمة المتهمين فى عمليات التنقيب غير الشرعى محاكمة عسكرية، مع مصادرة أموالهم وممتلكاتهم حتى إن كانت باسم أشخاص آخرين، لأنهم يفعلون ذلك لتضليل العدالة.

وأشار إلى ضرورة استخدام وسائل حديثة لحماية المواقع الأثرية، وتزويد الحراس بأسلحة، وإقامة أسوار عالية حولها، وزيادة أعداد أفراد الأمن فى جميع المناطق الأثرية، بالإضافة إلى توفير نقاط مراقبة، واستخدام الطائرات لعمل دوريات أمنية لاكتشاف أى حالة تعد، مع تفعيل الضبطية القضائية لمفتشى الآثار، بالإضافة إلى توفير الحماية اللازمة لهم حتى يستطيعوا القيام بمهام عملهم.

وأوضح «عامر» أن الدجالين دخلوا مجال التنقيب عن الآثار بغرض النصب على المواطنين من راغبى الثراء السريع، وأوهموهم بمعرفة أماكن الآثار وكيفية فتح المقابر المغلقة وحمايتهم مما يقال عن لعنة الفراعنة، ومنهم من يقوم بتوفير أجهزة الكشف عن الآثار والتى تدخل البلاد بطرق غير شرعية، مشيراً إلى أن السوشيال ميديا أصبحت سبباً من أسباب انتشار تجارة الآثار، حيث تغرى العديد من المواطنين بالبحث عن الكنوز الأثرية وبيعها من خلال الإنترنت.

جريمة مكتملة الأركان

ويرى اللواء دكتور أحمد توفيق، أستاذ إدارة الأزمات والمخاطر إن التنقيب على الآثار جريمة مكتملة الأركان، وهو عبارة عن منظومة متكاملة تتكون من 5 حلقات تشمل أولاً، من يحدد مكان التنقيب، وثانيًا، من يقوم بعملية التنقيب، وثالثًا، الوسيط بين المنقبين والمشترين والذين يعدون الحلقة الرابعة فى المنظومة، ثم تأتى الحلقة الخامسة والأخيرة وهم المُهربون الذين يقومون بتهريب الآثار للخارج.

وأضاف «توفيق» أن ممارسات التنقيب غير المشروع عن الآثار تتم منذ سنوات طويلة نرى فيها آثارنا تعرض فى الخارج سواء فى معارض أو فى مزادات علنيه خارج مصر، لذلك لا بد من التعامل مع هذه الظاهرة بأساليب غير تقليدية، مشيراً إلى أن الأساليب التقليدية فى المكافحة لم تأت بنتائج جيدة على مر السنين، ويجب أن تتم المكافحة على عدة محاور فى نفس الوقت، أولها: متابعة وتتبع أماكن التنقيب والتى تكون فى محافظات معينة معروفة معظمها فى الوجه القبلى، وذلك من خلال حملات مستمرة وليست موسمية، أو من خلال بلاغ حتى يظن من يفكر فى التنقيب أنه متابع بصفة مستمرة.

وأشار إلى أن أماكن التنقيب هى بؤرة الأزمة ومنشؤها التى تحتاج إلى السيطرة ثم التركيز على مناطق التهريب للخارج فى جميع الموانى والمطارات، وبذلك تتم السيطرة على أهم حلقتين من حلقات المنظومة، وهما الأولى والأخيرة وما بينهما سوف ينكشف من خلالهما.

واستكمل حديثه قائلاً: إن حلم الثراء السريع لدى بعض المواطنين يجعلهم يغامرون بالحفر بحثاً عن الآثار، رغم أن ذلك قد يكلفهم حياتهم وحياة أسرهم وغيرهم من المواطنين المجاورين لهم والذين قد تنهار منازلهم

أيضاً تحت الأنقاض، لذا لا بد من حملات إعلامية فى التليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعى بالصوت والصورة تحذر من خطورة التنقيب عن الآثار، وتوضح أن الشرطة تلاحق مثل هؤلاء المجرمين بصفة مستمرة، وأن القانون يطبق عليهم جميعاً بكل حسم وبشكل علنى كنوع من الردع العام.

كلمة السر

على صعيد آخر أوضح أيمن محفوظ، المحامى، أن القانون رقم 117 لسنة 1983 يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، والغرامة من 5 آلاف جنيه إلى 7 آلاف جنيه لكل من تم ضبطه يقوم بعمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار.

وأضاف أن الدستور نص فى المادة – 49 على التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه.

وأشار إلى أن جميع القوانين الخاصة بالآثار بدأت منذ 179 عاماً بمرسوم عام 1835، وتحظر التصدير غير المصرح به للآثار خارج مصر، حتى صدور قانون رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته فى 2010، مروراً بعشرات التعديلات القانونية.

وأضاف: رغم هذه القوانين والتشريعات، فإنها لم تمنع وجود ثغرات سمحت بالعبث بالآثار المصرية، سواء بتهريبها أو الاتجار بها أو بهدم قصور ومبانٍ أثرية لا مثيل لها، حيث حذر خبراء الآثار من الثغرات الموجودة بقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010، بسبب ضعف عقوبة تهريب وسرقة الآثار والتنقيب العشوائى عنها.

وردًا على حجة بعض الخارجين عن القانون واحتمائهم بالحكم رقم 1827 لسنة 80 الصادر من محكمة النقض المصرية والذى جاء فيه: «لا جريمة ولا عقوبة على المتهمين بتهمة التنقيب عن الآثار ما دامت المنطقة التى تم التنقيب فيها ليست مسجلة كمنطقة أثرية»، قال الخبير القانونى إن الخارجين عن القانون تجاهلوا المادة 41 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والقانون رقم 61 لسنة 2010 واللائحة التنفيذية له، والتى تنص على أن: يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه كل من قام بتهريب أثر إلى خارج مصر أو اشترك فى ذلك، ويحكم فى هذا الحالة بمصادرة الأثر محل الجريمة والأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمة فى الجريمة لصالح المجلس الأعلى للآثار.

وأشار إلى أن واقعة المقبرة المزيفة فى بنى سويف تندرج تحت مسمى النصب طبقا للمادة 336 عقوبات، مؤكداً أنه لا توجد عقوبة على الشروع فى النصب لكن لو تم الاستيلاء على أموال وتقديم بلاغات تكون هناك عقوبة.

وأوضح «محفوظ» أن الجريمة هنا هى الحفر بدون ترخيص وعقوبتها الحبس والغرامة، لكن يجوز التصالح ودفع مبلغ مالى للحى أو مجلس المدينة، ولعل ذلك هو «كلمة السر» وراء استمرار عمليات الحفر غير المشروعة.

«المحتال» من أذكى الشخصيات

وحللت الدكتورة داليا سليمان، خبير الإرشاد النفسى والأسرى شخصية القائمين بعملية التنقيب عن الآثار، قائلة: إن عملية النصب فى البحث عن الآثار بشكل غير شرعى لها ثلاثة أركان رئيسية، أولها شخص محتال وهو الركن الأهم فى العملية، ثانيها: ضحية لا تخلو من الجشع والطمع، وثالثهما: هدف ثمين يضمن الربح السريع للطرفين.

وأكدت «داليا» أن هناك ثمة دوافع سلوكية خلقت شخصية المحتال، منها أساليب التربية الخاطئة، وقد يكون إهمالاً زائداً أو تدليلاً زائداً أيضاً، كلاهما يخرجان شخصاً غير سوى، وغير معتاد على تحمل المسئولية إنما اعتاد على الاحتياج المادى معتقدًا أن قيمته مستمدة مما يملك مادياً وليس فكرياً.

كما أشارت خبير الإرشاد النفسى إلى ضعف الوازع الدينى الذى أسقط عندهم كل القيم والمبادئ، بالإضافة الى الأزمة الاقتصادية التى تضرب أنحاء العالم وما تبعها من غلاء الأسعار.

وعن سمات الشخص المحتال قالت: إنه من أذكى الشخصيات وأكثرها إقناعاً لمن حوله مما يكسبه ثقة وانبهار ضحيته، وللأسف يكون للضحية دور كبير فى مساعدة المحتال لإتمام مسرحيته حيث يعطى له الإيحاء بالتصديق، مما يدفعه للتمادى فى نصب الشراك حوله.

وأشارت «داليا» إلى أن سمات الضحية هى أنه «ساذج»، يطمع فى الثراء وزيادة أمواله، كما أنه شخصية سطحية تفتقد للوعى والتفكير المنطقى وقلة الثقافة والوعى الدينى، ولذلك تراهم دائماً ضحايا للمحتالين على اختلاف أنواعهم، وتبعاً لذكاء المحتال كما ذكرنا فهو يقوم بدراسة ضحاياه وانتقائهم بعناية من السذج قليلى الوعى، الحالمين بالثراء السريع وبذلك يضمن كسب ثقتهم وهيمنته على أفكارهم، فتتم عملية الاحتيال بكل بساطة.