رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«نزيف الأطباء» يبحث عن علاج!

نزيف الأطباء
نزيف الأطباء

60% من أصحاب البالطو الأبيض يلجأون للهجرة بسبب تدنى الأجور وضغوط العمل والبيئة غير الآمنة

 

ظاهرة هجرة الأطباء فى تزايد مستمر.. ورغم معرفة أسباب هذه الهجرة فإن أحدًا لم يفكر فى علاجها، حتى أصبح القطاع الطبى يُعانى عجزًا كبيرًا فى عدد الأطباء بالمستشفيات والوحدات الصحية فى كافة التخصصات، خصوصًا بعد اتجاه الكثير منهم– لا سيما من لحظة التخرج أو ما بعدها– للعمل فى دول الخليج أو الدول الأوروبية بحثًا عن تحسين مستوى المعيشة.

 

ويشكو الأطباء فى مصر من تدنى الأجور وضغوط العمل والإجراءات المتخذة التى وصفوها بأنها تخلط بين الإهمال الطبى والخطأ، فضلًا عن غياب البيئة الآمنة للحفاظ على الطبيب داخل محل عمله من تدافع وهجوم أقارب وذوى المرضى، الأمر الذى دفع نحو أكثر من 11500 طبيب للاستقالة، وراح الأطباء يبحثون عن العمل فى مناخ آمن، بعدما باتت الأوضاع الصحية متدهورة – بحسب وصفهم.

خبراء: تفتح الأبواب للتدريب وتمكنهم من الحصول على خبرات علمية ومهنية أفضل

 

ورغم تحذير نقابة الأطباء من تزايد الظاهرة، إلا أن عدد الأطباء والطبيبات الذين تقدموا باستقالتهم من الحكومة يتزايد كل عام بعدما بدأت الظاهرة فى التفشى فى عام 2016، وبلغ عدد الأطباء المهاجرين حينها نحو 1044 طبيبًا، وفى 2017 وصل العدد إلى 2549 طبيبًا، وفى عام 2018 بلغ نحو 2612، وعام 2019 كان 3507 وفى 2020 كان العدد 2968، أما فى عام 2021 فوصل العدد إلى 4127 طبيبًا وطبيبة، بمعدل 11 استقالة يوميًا.

 

يأتى ذلك فى ظل مساعى الدولة المصرية والأجهزة المعنية للبحث عن آليات جديدة وسريعة ومحفزة، وعقد حوارات مجتمعية بشكل مستمر وسريع لوضع حلول جذرية لمعالجة هذه الأزمة، لإنقاذ «نزيف الأطباء» الذى بات يؤرق المجتمع.

أسباب الهجرة

وأوضح الدكتور «إيهاب الطاهر» عضو مجلس نقابة الأطباء، أن معدل هجرة الأطباء فى السنوات الأخيرة شهد زيادة لم تحدث من قبل، وعلى الرغم من التحذير المستمر خلال السنوات الماضية إلا أنه لم يتم اتخاذ أى إجراءات فعلية لمعالجة أسبابها.

 

وأضاف قائلًا: رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة إلا أن أكثر من 60% من الأطباء توجهوا للعمل بالخارج سواء بالدول العربية أو الأجنبية مما يؤثر سلبًا على المنظومة الصحية والخدمات الطبية المقدمة للمواطنين.

تدنى الأجور وغياب البيئة الآمنة

وأوضح «الطاهر» أن ملف الأجور على رأس أسباب هجرة الأطباء من مصر، حيث إن الأجور متدنية والحد الأدنى للطبيب لا يكفى لتوفير حياة كريمة له، لذلك يبحث باستمرار عن فرصة عمل فى أى دولة أخرى لتحسين الدخل، بالإضافة إلى أن تدنى المعاشات يعد من أهم العوامل المتسببة فى زيادة هجرة الأطباء، فكيف يقضى طبيب معظم عمره فى العمل ثم يخرج إلى المعاش مقابل 2500 جنيه، وأضاف أن النقابة قدمت مشروعًا بإنشاء صندوق للمعاش التكميلى أسوة بالعديد من الجهات الأخرى إلا أن هذا المشروع ما زال حبيس الأدراج منذ سنوات. 

 

وأشار عضو مجلس نقابة الأطباء إلى أن العديد من الأطباء يتم الاعتداء عليهم خلال ساعات العمل دون وجود حماية لهم، بل إنه أحياناً يتم تحميلهم أعباء نقص المستلزمات أو أسرة الرعاية المركزة أو الحضانات، مضيفًا أن أبسط قواعد الإقامة الكريمة لم يجدها الطبيب فسوء بيئة العمل بمعظم المستشفيات تعد من أهم أسباب الهجرة، فلا يخفى علينا الحالة المتردية لمعظم أماكن إقامة الأطباء بالمستشفيات.

 

قانون العقوبات وأخطاء المهنة

الدكتور إيهاب الطاهر

وأشار الدكتور إيهاب الطاهر إلى أن قانون العقوبات المصرى ما زال يحاسب الأطباء فى جميع الأخطاء الطبية تحت مسمى «الإهمال الطبى»، وهى سابقة لا تحدث فى أى مكان فى العالم، حيث يوجد بجميع دول العالم قوانين خاصة لمحاسبة الأطباء فى قضايا الأخطاء المهنية، بحيث تتم التفرقة بين المضاعفات الطبية والأخطاء الطبية، فمضاعفات المرض نفسه حالة لا يمكن فيها محاسبة الطبيب، أما مضاعفات التدخل الطبى فتنقسم إلى جزأين: حالات لا تتم فيها محاسبة الطبيب إذا كان اتبع الأصول العلمية، وحالات الأخطاء الطبية التى قد تقع طبقًا لطبيعة التدخل الطبى، منوهًا إلى أن هذه الحالات تقوم فيها شركات التأمين الطبى بدفع التعويض المناسب للمريض أو لذويه دون الاضطرار للجوء للمحاكم.

 

وأكد الطاهر فى حديثه لـالوفد أن هناك حالات يستحق فيها الطبيب المحاكمة بموجب قانون العقوبات، وهى حالات الإهمال الطبى الجسيم (مثل العمل دون ترخيص أو عدم محاولة إنقاذ المريض بعد حدوث المضاعفات، أو تجربة طريقة غير موصى بها علميًا فى العلاج باستثناء حالات البحوث الطبية التى تتم بعلم المريض، أو إجراء طبى مخالف لقوانين الدولة مثل «ختان الإناث».

 

مقاصد هجرة الأطباء

وشدد «الطاهر» على أن الأطباء المصريين على كفاءة عالية لذلك تستقبلهم دول الخليج والدول الأوروبية للاستفادة من كفاءتهم وتحسين المنظومة الصحية لدى هذه الدول، ولابد من وضع حلول جذرية لهذه المشكلات لتقليل هجرة الأطباء، موضحًا أن زيادة أعداد المقبولين فى كليات الطب لن تحل المشكلة، فزيادة العدد دون حل جذرى للمشكلات المعروفة ستؤدى إلى استمرار نزيف هجرة الأطباء للخارج، وبالتالى سيستمر النقص فى أعدادهم، مشيرًا إلى أن الطالب يحتاج إلى 14 سنة حتى يصبح طبيبًا متخصصًا، فهل سننتظر كل هذه السنوات نعانى من أزمة نقص أعداد الأطباء؟

 

البحث عن مستقبل أفضل

الدكتور وجدى جرجس

من جانبه قال الدكتور وجدى جرجس استشارى الأطفال وحديثى الولادة إن أسباب هجرة الأطباء معروفة لدى الجميع، فالمشكلة بدأت منذ سنوات ولم تتوقف حتى الآن بل تتزايد، فآلاف من الأطباء هاجروا وآلاف سيقدمون على هذه الخطوة مستقبليًا للبحث على مستقبل أفضل وتحسين المستوى المادى، فمن أهم الأسباب

التى تدفع الأطباء للهجرة: تدنى الأجور، فلا يعقل بعد كل سنوات المذاكرة وصعوبة الدراسة بالكلية والتفوق وما بعدها من تحضير للدراسات العليا والمصاريف التى تنفق، ألا يصل إجمالى راتبه إلى ثلاثة آلاف جنيه، وأن تكون قيمة النوبتجية لمدة 12 ساعة متواصلة هى 45 جنيهًا، وخلال ساعات عمله الشاقة يواجه بالعديد من الأخطار، بجانب الدور السلبى للإعلام الذى يشوه صورة الأطباء عند حدوث أى مشكلة طبية لمريض وكأن الطبيب هو المتسبب فيها. 

 

وأشار «وجدى» إلى أن الهجرة لم تعد مقصورة على الدول العربية، بل اتجهت أيضاً إلى البلدان الأوروبية، وهو ما أكده تقرير القوى العاملة فى بريطانيا، الذى كشف عن ارتفاع نسبة الأطباء المصريين المهاجرين إليها بنسبة تزيد على 200% منذ عام 2017 حتى عام 2021.

 

المعاناة مع كورونا

 

وأوضح الدكتور «وجدى جرجس» استشارى الأطفال وحديثى الولادة أنه بعد سنوات من معاناة الأطباء وأسرهم مع كورونا، لم يجدوا أقل القليل من التقدير الذى يستحقونه سواء من الحكومة أو من المجتمع، مقارنة بما تلقاه نظراؤهم فى أى دولة من دول العالم، بالإضافة إلى سهولة تحقيق حلم السفر لمزيد من التعلم وتحسين أحوالهم بعد فتح الدول الأوربية أمام شباب الأطباء بقوة، وفى النهاية ساءت الأوضاع كما نرى، وحذر «وجدى» من خطورة ظاهرة هجرة الأطباء مطالبًا بضرورة البحث عن حلول جذرية لمواجهتها حتى لا تتزايد أكثر مما هى عليه الآن.

الدكتورة  منى مينا

والتقطت أطراف الحديث الدكتورة «منى مينا» الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء سابقاً، مشيرة إلى أن ظاهرة هجرة الأطباء تزايدت بشكل مرعب فى الآونة الأخيرة، فمنذ سنوات طويلة ونحن نحذر من التزايد المستمر فى الظاهرة، مشيرة إلى أن ذلك يرجع لأسباب كثيرة؛ منها التدنى الشديد فى رواتب الأطباء، مقابل ما يحصلون عليه فى البلاد التى يهاجرون إليها.

 

وأوضحت «مينا» أنه من بين أسباب هجرة الأطباء المصريين التى تحتاج إلى تدخل سريع ومعالجة منطقية سليمة هو بحث هؤلاء الأطباء عن فرص التدريب المناسبة التى تمكنهم من الحصول على خبرات وشهادات علمية ومهنية أفضل، إذ يحصل الطبيب أو المختص الطبى فى الدول الأخرى خاصة دول الخليج على رواتب عالية وذلك بسبب قلة عدد المتخصصين فى المجالات المختلفة فى هذه الدول واحتياجها لتغطية النقص فيها.

 

وأشارت إلى أن التحريض على الأطباء بسبب أخطاء تحدث عن غير قصد وهو أمر وارد فى أى مهنة، فضلًا عن كون حالة المريض نفسه قد تكون هى السبب فى الخطأ، أدى إلى مزيد من الاعتداءات اليومية التى يتعرض لها الأطباء خاصة فى المستشفيات الحكومية، لذلك فلابد من تشديد العقوبة على كل من يعتدى على طبيب، لأنه من حق الأطباء العمل فى بيئة مناسبة، ولا يعقل أن تكون عقوبة الطبيب الحبس، فى حين أن معظم الدول العربية تعتمد على العقوبة المادية فقط.

 

جدير بالذكر أن مشروع قانون المسئولية الطبية فرض غرامات كبيرة تصل إلى مليون جنيه، بالإضافة للتعويض المقرر لمن أصابه الضرر من الخطأ الطبى.

أقر عقوبة الحبس فى قضايا الأخطاء الطبية دون وجود شبهات جنائية على عكس قوانين الدول الأخرى التى لا نجد بها عقوبة الحبس إلا إذا كانت هناك شبهات جنائية، أو أن يكون الطبيب يمارس العمل دون ترخيص، أو تعمد الإضرار أو مخالفة قوانين الدولة لأن هذه تعد جرائم طبية وليست أخطاء طبية.

 

ورغم ذلك فإن عقوبة الحبس لن يستفيد منها المريض شيئًا، ولا تؤدى لتحسين الخدمة الطبية، بل ستؤدى لما يسمى بـ«الطب الدفاعى»، أى أن بعض الأطباء قد يمتنعون عن التدخل السريع فى الحالات التى قد يتعرض فيها المريض لمضاعفات خوفًا من تعرض الطبيب للحبس.