رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: من يجلس على كرسى «مار مرقس» الرسول؟

«الرسامة» شرط أساسى فى المرشح لتولى الكرسى البابوى

دستور 2014 يعتبر الشريعة المسيحية المصدر الرئيسى لتنظيم شئونهم

الكتاب المقدس يطالب بالرجوع إلى الشعب لاختيار الراعى

 

جاء القديس مرقس إلى مصر حاملاً الإيمان المسيحى إلى شعبها سنة 61 ميلادية، وكانت مدينة الإسكندرية هى المكان الأول الذى وطئته أقدام هذا القديس، وفى هذه المدينة التقى القديس مرقس بأول أسرة دخلت إلى الإيمان، ومنذ هذا الوقت تأسست الكنيسة المصرية القبطية، وسمى رئيسها الدينى بابا الإسكندرية.

وجلس على كرسى البابوية منذ القديس مرقس، وحتى اليوم 118 بطريركاً، ويحكم عملية اختيار البابا أمران: الكتاب المقدس، الذى أوضح شروط رسامة الأسقف، والقوانين الكنسية التى اشترطت أن تتوافر فى المرشح، للبطريركية شروط الرسامة التى أوردها تفصيلا الكتاب المقدس، والرجوع إلى الشعب الذى من حقه أن يختار راعيه.

ويمكن اعتبار القوانين التى وضعها المجمع المسكونى الأول الذى انعقد فى نيقية سنة 325 ميلادية، الأساس الأول للتنظيم الكنسى، الذى طبقته الكنيسة فى أجيالها اللاحقة، وقد احترمت الكنيسة القبطية هذه القوانين على مر العصور، ثم أضافت إليها نظام القرعة الهيكلية فى المرحلة النهائية للاختيار.

وعندما دخل الإسلام إلى مصر، أدرك العرب منذ البداية، أنه لابد أن يدير البابا شئون الأقباط، فأصدر حكام مصر، على مر العصور القرارات اللازمة لتثبيت انتخاب البابا، لإدارة الكنيسة، وتدبير أمورها، ورعاية جماعة المؤمنين روحيا.

وعندما وضعت لجنة الثلاثين مشروع الدستور، الذى عرف فيما بعد بدستور 1923، لم تضمنه حكما يتعلق بسلطات الملك، على الهيئات الدينية لغير المسلمين، فقد رأت اللجنة ألا يكون للملك سلطات استثنائية على رجال الدين، ولكن مشروع لجنة الثلاثين تعرض لتعديلات كثيرة، أجرتها عليه وزارتا توفيق نسيم، ويحيى إبراهيم، إفساحا لسلطات الملك، وقام صراع حول هذه التعديلات، بين أنصار الملك، وقوى الحركة الديمقراطية!

الملك!

وأسفر الصراع عن حذف بعض التعديلات، وبقاء البعض، وكان من بين ما استقر بالدستور من تعديلات فيما يختص بتعيين الرؤساء الدينيين والمسائل الخاصة بالأديان المسموح بها حكم يحيل إلى قانون يصدر فيما بعد، ينظم الطريقة التى يباشر بها الملك سلطته فى هذه الأمور، ثم أعقب هذا القول بعبارة «وإذا لم توضع أحكام تشريعية، تستمر مباشرة هذه السلطة طبقًا للقواعد، والعادات المعمول بها الآن!».

وبذلك يكون الملك قد استخلص بهذا النص، اعترافا دستوريا، بأن له سلطة خاصة، بالنسبة لمسائل الأديان، واقرارًا دستوريا ببقاء الوضع الراهن، حتى يصدر قانون جديد ينظم هذه السلطة، وسجلت اللجنة الاستشارية التشريعية التى أدخلت هذا الحكم على الدستور، لصالح الملك، سجلت الهدف منه، بقولها أن للملك على المعاهد الدينية الإسلامية اختصاصات خاصة، يباشرها بشخصه، كالتعيين فى الوظائف الدينية الكبرى، ومنح الألقاب لكبار رجال الدين، وأن له بالنسبة للأديان اختصاصات معلومة، واعتبرت كل هذه الاختصاصات، حقوقًا شخصية للملك، وهى حقوق ذات صفة دينية، يتعين استبعادها من النظام العام، الذى وضعه الدستور لمباشرة الملك سلطته عن طريق الوزراء.!

من هذا يظهر مدى اهتمام الملك باستبقاء سيطرته الشخصية المنفردة على المؤسسات الدينية، لتكون ركيزة معنوية تدعم حكمه، وهو بهذا الاهتمام إنما يستصحب تقاليد حكم أسرته العلوية، وما سبقها من نظم القرون الوسطى، من اعتبار المؤسسة العسكرية مع المؤسسة الدينية ركيزتى الحكم الفردى المطلق!

ويذكر الشيخ الظواهرى: أن تعيين الرؤساء الدينيين، هو امتياز اختص به الملوك، والسلاطين من العهد القديم!

وأما العادات المعمول بها، التى استبقاها الدستور، فقد كان أهمها بالنسبة للأقباط، هو صدور مرسوم بتثبيت انتخاب بابا الأقباط، تأكيدا على استمرار سلطة الملك!!

وفى سنة 1927 أعد مشروع تنظيم سلطة الملك، ورُئى أن يكون تعيين شيخ الأزهر، بترشيح رئيس الوزراء لخمسة، ينتخب منهم رجال الأزهر واحدًا، يعرض رئيس الوزراء اسمه على الملك، ليعين بأمر ملكى، ثم عدل عن فكرة الانتخاب، واكتفى بحكم جوهرى هو أن يكون استعمال الملك سلطته على الأزهر والمعابد، بواسطة رئيس مجلس الوزراء، وتعيين شيخ الأزهر بأمر ملكى، بناء على عرض رئيس الوزراء، كما تقررت ذات هذه القواعد بالنسبة لسلطات الملك فى تعيين الرؤساء الدينيين والمسائل المتعلقة بالأديان غير الإسلامية، ونظر مجلس النواب القانون بسرعة واضحة، فوافق عليه بغير نقاش فى 4 مايو، ونظر بمجلس الشيوخ فى 10 و23 مايو، فوافق عليه بالإجماع، وصدر فى 31 مايو برقم 15 لسنة 1927.!!

وتقوم ثورة 23 يولية 1952، وتطيح بالنظام الملكى، وتلغى دستور 1923، وتصدر فى 3 نوفمبر سنة 1957 لائحة جديدة لانتخاب البطريرك، والحاصل أن الكنيسة القبطية كانت فى عهد حكم الروم مؤسسة دينية، واستمرت كذلك فى عهد الممالك الإسلامية، وفى العصور الجمهورية، وتراكمت تقاليدها الوظيفية والتنظيمية من سياق هذا الوضع، وصارت حتى هذه اللحظة مؤسسة دينية بحتة!

وإلى هذا الوضع، يرجع فى الأساس ما عرفه بناؤها التنظيمى من الصفة الأهلية الشعبية غير الرسمية، إذ يتم اختيار البطريرك، والمطارنة، باختيار الشعب القبطى، فلا يتم بقرار من الحاكم وحده، وهذا ما يعرف بالتكوين الديمقراطى للكنيسة القبطية، ومصدره أن هذه المؤسسة الدينية بسبب انفصالها النسبى عن الحكم السياسى لم تجد من سلطات الدولة عونًا لها فى الاستقلال عن جمهورها، فظلت مؤسسة ذات طابع أهلى، وهذا ما يفسر بالمصطلحات المدنية الحديثة الطابع الأوتوقراطى الديمقراطى المتناقض، الذى يلاحظ فى أبنيتها النظامية، أى وجود عنصر الاختيار الجماهيرى، فى نصب البطريرك والمطارنة، مع قيام السلطة الفردية الشخصية لهؤلاء على من دونهم.

فيقتصر العنصر الديمقراطى على عملية اختيار البطريرك، لأنه اختيار لا تنظمه الدولة، ولا تشارك فيه بسلطانها الرئاسى، مستمدا لا ممن اختاره، ولكن من الرئاسة الأعلى، ثم من الخلافة الرسولية، ثم من الرب رأسا، ويمارس نفوذا شخصيًا منفردا.

ثم يصدر دستور سنة 2014 ناصًا فى مادته الثالثة على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لشئونهم الدينية، واختيار قيادتهم الروحية.

الأسقفية

والكرازة المرقسية، هى المناطق التى كرز فيها القديس مرقس بالمسيحية، وتقسم هذه المناطق إلى وحدات رعوية، تسمى كل منها الايبارشية، والأسقفية هى خلافة الرسل، والأسقف يمثل حضور المسيح وسط شعبه داخل الكنيسة، وخدمته مرتبطة باتحاده بشعب الله فى ايبارشيته، ومهمته هى الرعاية الروحية لنفوس الشعب من أجل خلاصهم، ويمارس سلطانه الكنسى فى إعطاء الحل للمؤمنين التائبين، بحسب مشيئة الله، والروح القدس، الذى يحل ويربط، وما الأسقف إلا أداة أو واسطة بشرية.

ويشترط فى الأسقف أن يكون قد تعدى سن الكهولة، بمعنى أن يكون قد هرب من حركات الطفولة، وأباطيل الخارجين، أى غربت عنه غرة الشباب، وحدته، وتميز بسن الكبر وخبرته، وأن يكون بغير لائمة، متواضعًا، وأن يكون ارثوذكسيًا مؤمنًا ذا خبرة فى الإيمان، والحياة الروحية، متبتلا، وشرعية رسامة الأسقف حددتها القوانين الكنسية فى أكثر من موضع، فيجب أن تضع عليه أيادى أكثر من أسقف، وأن يكون مقامًا على شعب، فى ايبارشية محددة، وألا تكون قد وضعت عليه أيدى الأسقفية من قبل، وبوضع الأيادى الأسقفية على رأس المنتخب انتخابا صحيحًا للأسقفية، يحل نفس الروح القدس الذى حل من قبل على الرسل قديما، ليعطيهم السلطان والقوة على خدمة رعاية النفوس، فى الايبارشية التى اختاره الله لها.

وينال أيضاً موهبة خلافة الرسل، أو التعاقب الرسولى، الذى يحمله الأساقفة فى الكنيسة، ونوال النعمة والسلطان والقوة الخاصة لخدمة نفوس شعب هذه الايبارشية، الذى أقيم عليها كبركة خاصة نالها من الله وكقسمة قسمها الله له على موضع، وشعب، ورعية ناطقة، محددة ليخدمها، ويقدمها فى النهاية لله فرحا.

والبابا مثل أى أسقف يتقلد هذه الرتبة من خلال رسامته، وقسمته، ووضع يد الأساقفة عليه، والصلوات التى تتلى عليه أثناء رسامته، والتقليد الذى يتلى على الكنيسة المجتمعة، وعلى مسامعه، تتم شرطونية أسقف المدينة العظمى.

وبدون وضع الأيادى لا يسمى المنتخب بابا وبطريركا، ورئيس أساقفة مدينة الإسكندرية، هذا الوضع الكنسى يلقى على البابا أول مهمة، وهى أنه راعى ايبارشية المدينة العظمى الإسكندرية، المدينة التى كرز فيه القديس مرقس الرسول، وأنه رئيس أساقفة وبطريرك الكرازة المرقسية، حسب الوضع الذى أقره مجمع نيقية سنة 325 ميلادية، وبهذه الصفة فإن للبابا مركز التقدم والأولية، والرئاسة على أساقفة إيبارشيات الكرازة المرقسية، ولا يحق لأى أسقف أن يأخذ هذه الرئاسة لا بسعايته، ولا بسعاية آخرين.

ولأن الرئاسة فى المسيحية هى خدمة للكل، طبقا لما قاله السيد المسيح «أكبركم يكون خادمًا لكم».

لذلك فإن البابا البطريرك، يصبح خادم وحدة الكنيسة، وتآلفها معًا، حول شخص المسيح له المجد، وهو العامل على تحقيق وحدة الكنيسة.

ومهمة تحقيق وحدة كنيسة المسيح، عمل صعب وشاق، لا يقدر أن يقوم به إلا من نال سلطان الرئاسة وموهبة الأبوة، ونعمة الرعاية، بالروح القدس المفاض عليه، بوضع الأيادى فى صلوات تكريسه أسقفًا ورئيس أساقفة، وبابا لمدينة الإسكندرية، وبمقتضى هذه النعم والمواهب وحدها، فالبابا باسم المسيح وحده يحتضن الجميع، ويضم الجميع، ويستوعب الكل فى محبة المسيح، ويستأسر كل فكر لطاعة المسيح، وهكذا يعبر خادم وحدة الكنيسة تحت رئاسة الرأس الواحد يسوع المسيح.

الدستور

وتفعيلاً لنص المادة الثالثة من الدستور التى نصت على أن مبادئ شرائع المسيحيين هى المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لشئونهم الدينية واختيار قيادتهم الروحية أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى بتاريخ 23 مارس سنة 2015 قرارا جمهوريًا باعتماد لائحة قواعد وإجراءات ترشح وانتخاب بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية لتحل محل لائحة سنة 1957.

ونصت المادة الأولى منها على أن يعمل بهذه اللائحة فى شأن اختيار القيادة الدينية والروحية العليا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مصر، وتعتبر من الشئون الدينية، ثم تضمنت المادة الثانية النص على أن: بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس هو أسقف الإسكندرية والقاهرة، وبصفته أسقفًا للمدينة العظمى الإسكندرية هو رئيس لأساقفة الكنيسة المرقسية، حسب قوانين مجمع نيقية المسكونى، وتتم سيامته بمعرفة قائم مقام البابا البطريرك، ومطارنة وأساقفة الكنيسة، بعد أن تختاره العناية الإلهية، فى قرعة هيكلية علنية، تتم فى مصر تجرى بين ثلاثة ينتخبهم الاكليروس وممثلو شعب الكرازة.

ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بعد ذلك باعتماد اختياره، ويتم ذلك فى الأحوال وفقا لأحكام اللائحة بغير إخلال بالقوانين واللوائح والقواعد والتقاليد الكنسية.

ومؤدى ما تقدم أن العناية الإلهية، وحدها هى التى تختار من يتولى منصب بطريرك الكرازة المرقسية، وأن قائم مقام البابا ومطارنة وأساقفة الكنيسة هم الذين يقومون بسيامته، وأن رئيس الجمهورية هو الذى يعتمد هذا الاختيار.

وقد يتساءل البعض ما هو الموقف إذا كان الله اختار من يتولى كرسى البطريركية، وقام قائم مقام البابا ومطارنة وأساقفة الكنيسة بسيامته، ولم يصدر رئيس الجمهورية قرارًا باعتماد هذا الاختيار؟!

فمن المعروف بداءة أن السيد المسيح حين كان موجودًا على الأرض، مارس وظيفة البطريرك، حين رفع يديه وبارك رسله الاطهار، وحينما نفخ فى وجوههم، وقال لهم: اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه

أمسكت، كما قال: كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا فى السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء، وهكذا أعطاهم سلطان الحل والربط فى الكنيسة، ولم يصدر قرارًا من السلطة الزمنية باعتماد تعيينه.

وإذا كان البابا البطريرك، هو أعلى درجة فى الرتبة الأسقفية، وله رياسة الكهنوت العليا، وهو رئيس الكنيسة فى الدولة، ورئيس الأساقفة والمطارنة كلهم، وهو خليفة الرسل والأب الأول فى الكنيسة، وهو المؤتمن من قبل المسيح على كل الشعب، وعلى نفوس الرعية، فإنه بعد انتهاء الإجراءات المقررة لاختياره من ترشيحات، وانتخابات وقرعة هيكلية، يعمل له طقس تنصيب، فيجب أن تكون سيامته يوم الأحد وبعد قراءة فصول 17 هاتور، وفصول قراءات اليوم: البولس والكاثوليكون والأبركسيس، وبعض المزامير وانجيل يوحنا الراعى الصالح، تبدأ إجراءات السيامة، ثم يخرج الكهنة بمجامرهم والشمامسة وبأيديهم صلبان الزفة إلى المقر البابوى، فيكون المطارنة والأساقفة مع المختار للكرسى البابوى، لاحضارهم بموكب كنسى إلى الكاتدرائية، حيث يكون بابها مقفولا، ومفاتيحه مع رئيس الشمامسة، الذى يقف منتظرًا البابا الجديد ليسلمه مفاتيح الكاتدرائية، فيفتح قداسته الباب، ووقتها تدق أجراس الكاتدرائية مرحبة بالبابا الجديد ومبتهجة بقدومه.

ويقف البابا أمام الهيكل، بين أسقفين، بينما يصعد الأساقفة إلى الهيكل، ويقف كبير الأساقفة ووجهه للشرق ويصلى أوشية الانجيل: أيها السيد الرب الهنا الذى أرسل تلاميذه القديسين، ورسله الأطهار فى كل العالم ليكرزوا ببشارة ملكوته، ويعلموا جميع الأمم المعرفة الحقيقية.

يفتح كبير الأساقفة صلوات السيامة بهذه الأوشية، لأن البطريرك على مثال الرسل، الذى أرسلهم الرب إلى كل العالم ليكرزوا ببشارة الملكوت، ثم يسلم التزكية الموقع عليها من جميع المطارنة، والأساقفة إلى أحد رؤساء الشمامسة لقراءتها على المنبر، ثم يقف المطارنة أمام الهيكل لسيامة البطريرك، ثم يقول الرشومات الثلاثة ثم بعد ذلك يلبسونه التونية، ويجلسونه على كرسى صغير فى الوسط، ويجلس حوله المطارنة، ثم يسلم كبير الأساقفة للبابا التقليد الخاص به ثم يقوم المطارنة بإلباس البابا ثياب رئاسة الكهنوت، ثم المحارم، فالبرنس، ثم يلبسونه التاج، ثم تسلم إليه عصا الرعاية والصليب ويتسلمها من فوق المذبح، ثم يصعدون به إلى كرسى الرياسة.

ثم يقول كبير المطارنة: أجلسنا الأنبا.. بابا وبطريركًا على الكرسى الرسولى، كرسى القديس مرقس الانجيلى، ثم يقدمون للبابا انجيل القديس مرقس فيقبله، ثم يأتى جميع الأساقفة والمطارنة، ويقبلونه، وهو بين يدى البابا.

وبذلك تكون قد تمت سيامة البابا وتنصيبه وأصبح المختار فعلا بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بحلول الروح القدس عليه دون انتظار قرار من رئيس الجمهورية بتعينه، لأن القرار الذى يصدره الرئيس فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون تتويجًا لما اتخذ من إجراءات وصلوات.

مخالفة الإنجيل

ثم نأتى إلى سؤال أكثر أهمية، وهو إن كان البابا هو حامى الإيمان الأرثوذكسى القويم ضد الهرطقات، والبدع والانحرافات الإيمانية، وهو المنوط به المناداة بالانجيل، وتعليم الشعب شريعة الرب، وتفهيمهم الحقائق الدينية والأصول الإيمانية حسب التعليم الذى تسلمه، فهل من حقه أن يمتنع عن تنفيذ أى حكم قضائى يكون قد صدر مخالفا للقانون؟. وهل إذا امتنع عن تنفيذ هذا الحكم يكون مرتكبا للجريمة المنصوص عليها فى المادة 123 من قانون العقوبات.

والإجابة أن قداسة البابا لا يملك مخالفة الانجيل، وإن خالفه فإنه يكون قد ارتكب خطيئة تستوجب المساءلة الكنسية، لذلك فإن من حق البابا الامتناع عن تنفيذ أى حكم قضائى يصدر مخالفًا لتعاليم الرب، فضلا عن أن امتناعه عن تنفيذ أية أحكام مخالفة للشريعة المسيحية لا تشكل فى حقه الجريمة المؤثمة بالمادة 123 من قانون العقوبات.

ذلك لأن هذه المادة تنص على أن يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومى استعمل سلطة وظيفته فى وقف تنفيذ حكم صادر من المحكمة، كما يعاقب بذات العقوبة كل موظف عمومى امتنع عن تنفيذ حكم بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر، إذا كان تنفيذ الحكم داخلاً فى اختصاص الموظف.

ومفاد هذا النص أنه لابد أن يكون الجانى موظفا عموميا، وقد عرف القضاء الجنائى الموظف العام بأنه هو من يولى قدرا من السلطة العامة بصفة دائمة أو مؤقتة، أو منحت له هذه الصفة بمقتضى القوانين واللوائح، سواء كان يتقاضى راتبا من الخزانة العامة أو كان مكلفا بخدمة عامة دون أجر كالعمد والمشايخ.

وقد عرفت محكمة النقض بجلستها المعقودة بتاريخ 21/3/1976 فى الطعن رقم 1934 لسنة 45ق الموظف العام هو من يعهد إليه بعمل دائم فى خدمة مرفق عام تديره الدولة، أو أحد أشخاص القانون العام عن طريق شغله منصبًا يدخل فى التنظيم الإدارى لذلك المرفق.

ولما كانت الكنيسة القبطية هى الشعب المؤمن بالمسيح، إيمانا قويًا حقيقيًا، متحدين بالاشتراك فى أسرار واحدة يقضون حياتهم تحت إدارة رعاة قانونيين ورأسهم المسيح ذاته، ومن ثم فإن الكنيسة بمنأى عن الخضوع للجهاز الإدارى، ولا يعد الرعاة ولا البابا من عداد العاملين الذى يحكمهم ذلك النص، وبالتالى فإن البابا بصفته بطريرك الكرازة المرقسية ليس موظفًا عامًا، وبالتالى فإن امتناعه عن تنفيذ أى حكم قضائى مخالف لتعاليم السيد المسيح لا يشكل فى حقه جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية.

ويبقى الاستفسار الأخير: هل القرارات التى يصدرها البابا فى الشأن الكنسى تعد قرارات إدارية وهل هذه القرارات خاضعة لرقابة القضاء؟ أقول أن المادة الثالثة من الدستور اعترفت صراحة بأن مبادئ الشريعة المسيحية هى أساس التشريعات المنظمة لشئون المسيحيين الدينية، واختيار قيادتهم الروحية، ونصت المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية باعتماد لائحة قواعد وإجراءات ترشيح وانتخاب بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بأن اختيار القيادة الدينية والروحية العليا للكنيسة الأرثوذكسية شأن دينى وإذ كان البابا هو رئيس الكنيسة، وهو المؤتمن من قبل المسيح على كل الشعب المسيحى، فإنه الرئيس الدينى للمسيحيين وقراراته قرارات دينية لا تخضع لرقابة القضاء.

وقد قضت محكمة القضاء الإدارى بأن القرار الصادر بتوقيع عقوبة دينية على كاهن يعتبر صادرًا فى غير المجال الإدارى، مما يخرج طلب إلغائه من ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى، لأن اختصاصه رهين بطلب إلغاء القرارات الإدارية دون غيرها.

كما قضت محكمة النقض بأن القرار الصادر بإلغاء الانضمام - للطائفة - وجعله كأن لم يكن، إنما هو فى حقيقته قرار دينى بحت تستقل الجهة الدينية بإصداره دون أن تقدم عنه حسابا أمام القضاء أو أمام أية سلطة زمنية!

ويبقى التساؤل الأخير إذا كانت المادة 153 من الدستور منحت رئيس الجمهورية سلطة تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وإعفائهم من مناصبهم فهل ينطبق هذا النص على البابا البطريرك؟ أقول أن قانون الخدمة المدنية نص فى المادة الثانية منه أنه يقصد بالموظف: كل من يشغل إحدى الوظائف الواردة بموازنة الوحدة، وأن المقصود بالوحدة: الوزارة أو المصلحة أو الجهاز الحكومى أو المحافظة أو الهيئة العامة، ولما كانت الكنيسة القبطية ليست وزارة، ولا مصلحة حكومية، ولا هيئة عامة، ولا تعد من ضمن الأجهزة الحكومية، ولا تنفق عليها الخزانة العامة، والبابا لا يشغل وظيفة إنما هو رئيس دينى ومن ثم فإنه لا يعد من الموظفين العموميين الذين قصدهم المشرع الدستورى فى المادة 153 آنفة البيان!