رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة أم شفيق؟

لست معنياً بحالة الجدل الواسعة التى تنزع عن الإخوان فضل السبق فى الانضمام إلى الثورة، أو تتهمهم  بخيانتها، أو التقاعس عن نصرتها فى مواقع ميدانية مثل تظاهرات محمد محمود ومجلس الوزراء (كما عرفا إعلامياً). ولست أيضاً منحازاً إلى جانب تنزيه الإخوان عن الأخطاء، والارتفاع بهم إلى مصاف رجال الدولة المنزّهين عن العبث والمراهقة السياسية فى كثير من المواقف، لكننى لا أقبل اتهام أى فصيل سياسى فى مصر بالخيانة والعمالة. لطالما انتقدت نظام مبارك لأنه يدّعى إعلامياً وأمنياً خصومة مع التطرف الدينى بحجة أن أصحابه يرمون مخالفيهم بالكفر، بينما لا يتوقف هذا النظام عن رمى خصومه السياسيين بالعمالة والخيانة طوال الوقت.

مركز ابن خلدون وجماعة الإخوان وأيمن نور وعبد الحليم قنديل ورضا هلال (مع حفظ الألقاب).. وغيرهم الكثيرون تعرّضوا جميعاً للطعن فى وطنيتهم وولائهم للوطن إبان عهد مبارك متى كانت الخصومة سياسية، أما إن كانت الخصومة حقوقية فتلفيق قضايا المخدرات والفساد المالى والأخلاقى وغيرها من ملوثات الشرف هى أداة هذا النظام الفاشى فى التعامل مع تلك الحالات، ودليلنا على ذلك قضية الشهيد "خالد سعيد" التى حوّلته من شاب يتابع جانباً من فساد جهاز الشرطة ويتداوله عبر الإنترنت إلى مدمن ومروّج للمخدرات!! ودليلنا أيضاً الاعترافات الحديثة والخطيرة للوزير السابق "رشيد محمد رشيد" والتى  مفادها أن نظام مبارك قد لفّق له تهم الفساد بعد أن رفض منصباً وزارياً فى حكومة شفيق بعيد نشوب الثورة!!.
هذا هو عهد مبارك الذى لا أريد عودة إليه فى أية صورة، وتلك هى هيئة المعارك التى تنتهى إليها خصومات مبارك على اختلاف أسبابها! هذا النظام الذى سقط رأسه ومازال يصارع البقاء يأبى أن يغيّر من أساليبه أو يطوّر من كيفية إدارته للمعارك السياسية، حتى بعد أن زعم فلوله انتماءهم للثورة وتسليمهم بعظمتها! فها هو مرشح النظام الفريق "شفيق" لم يستطع الصبر على تمثيلية المعركة الانتخابية النزيهة وشرف المنافسة، فلم يعد يظهر فى أية مناسبة إلا لمهاجمة خصمه المنتمى إلى جماعة الإخوان بذات الكيفية التى تربّى عليها رجال مبارك وسدنة حكمه!، فلا يكفيه أن يطعن فى خصمه كسبيل وحيد للتمايز -على ما فى هذا المنحى من عجز عن إثبات تفوّقه بغض النظر عن تردّى منافسه- لكنه فوق هذا يلجأ إلى الطعن فى وطنية خصمه وانتمائه للوطن، وهى اتهامات عظيمة، لو ترددت فى أية دولة محترمة لقامت لها الدنيا ولم تقعد إلى بالقضاء على أحد المتنافسين أو كليهما. لكنها اتهامات تليق برجال مبارك وأساليبه ونظامه الساقط أو المرشح للسقوط،  وهى تكشف عن الوجه المخيف لمرشح الفلول قبل أن يمتلك زمام السلطة، فما بالنا إذا امتلكها وبإرادة شعبية وشرعية انتخابية؟!! فإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن هذا المرشح يملك وحده إعادة تشغيل نظام مبارك بكافة عناصره وآلته القمعية من اليوم الأول لتوليه الرئاسة، علمنا يقيناً أن أحلام إسقاط هذا الرجل ونظامه بذات الكيفية السلمية التى أسقط بها مبارك لن يكون ممكناً أبداً، خاصة بعد أن تعلّم النظام من أخطائه الأمنية.
على النقيض من هذا فإن مرشح الإخوان بكل عيوبه لن يتمكن من بناء آلة قمعية ودولة بوليسية على غرار دولة مبارك فى أربع سنوات ولا حتى فى ضعفى هذه المدة وإن أعد لذلك عدته، ذلك لأنه لم يأت بشرعية انقلاب عسكرى كما فى حالة الجمهورية الأولى، ولن يبقى ستين عاماً من التجهيل والتغييب والتعذيب كما بقيت هذه الجمهورية، لا أراهن فى ذلك على نزاهته أو صدقه، فأنا لا أعرف مرشح الإخوان ولا أعرف جماعته وحزبه حق المعرفة، لكننى أراهن على الإعلام الجديد وزيادة الوعى وزخم الثورة الذين بمقدورهم إجهاض نظام فاشى فى طور التكوين، لكن يشق عليهم التغلّب على نظام قمعى قائم بكل سوءاته وراسخ بكامل عناصره.
يقولون "أحمد شفيق" يلقى دعم وتأييد المجلس العسكرى الحاكم ومن ثم تزداد فرص نجاحه ولو عبر انتخابات نزيهة، وكأن المجلس العسكرى قد اختصر فساد وبشاعة عهد مبارك فى السنوات العشر الأخيرة من حكمه والتى صعد فيها نجم مشروع التوريث، وخلاف ذلك فقد كان المخلوع حاكمهم الأمثل، فلما سقط وتخلّى عن المسئولية لهم عكفوا على اختراع آلة الزمن للعودة بمبارك عشر سنوات من عمره المديد كى يتمكنوا من إثنائه عن فكرة

التوريث..لكن المشكلة أن الجهاز الذى وضع فيه مبارك ليعود بالزمن حدث به خلل خطير، وأخرج دخاناً كثيفاً أفزع العلماء والعسكر معاً فانفضوا من حوله حتى إذا هدأ الدخان واستقر الجهاز هرعوا إليه، فإذا ضابط طيار فى حلته العسكرية، وإذا به قائد سابق للقوات الجوية أصغر بعشر سنوات من مبارك اليوم قد اجتمعت أعضاؤه وتكوّمت فيما يشبه كرة كبيرة أخفى فيها وجهه الذى يكسوه مخاط الآلة، فلما رفع رأسه يواجه الحاضرين كانت المفاجأة.. أنه ليس مبارك!! بل تلميذه النجيب ووريثه من غير دم.. فيا ترى من الذى خرج من الجهاز؟!!!
الاختيار بين مرسى وشفيق هو اختيار واضح أمامى أشد الوضوح، إنه سؤال يلح علىّ منذ الإعلان عن طرفى الإعادة فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، السؤال هو: هل هى ثورة أم شئ آخر؟ لو كان اختيارك "شفيق" فإجابتك بالتأكيد أنها ليست ثورة، ولو كان اختيارك "مرسى" فقد أتم الشعب ثورته التى أشاد العالم بها، وإن كان تمامها قد جاء على وجه معيب، مناط العيب فيه أن القوى الليبرالية ودعاة الدولة المدنية الذين أشعلوا وقود الثورة نجحوا فى إسقاط نظام قديم، لكنهم فشلوا فى قيادة نظام جديد، وانفردت به قوى الإسلام السياسى التى يحمل وزر تضخمها الحكم العسكرى الشمولى (الذى يريد البعض بقاءه) والتى طغت بفعلها علامات التشدد على التسامح الدينى، ولاذ بها الناس لواذهم بالدين، لما ضيّق الحاكم عليهم دنياهم التى فيها معاشهم.
لكن تظل الحقيقة الناصعة أن حكم الإخوان فى مقابل حكم فلول النظام هو التجسيد الوحيد لسقوط نظام مبارك الفاشى، الذى كان هدف الثورة حينما صاح المصريون: "الشعب يريد إسقاط النظام" وبذا يكون الشعب قد استطاع أن يكمل ثورته ويحقق أهدافها، أما بناء نظام جديد وتصحيح مساره فهى عملية مستمرة يجب أن يدرك الناس أنها لا تنتهى بتسليم قياد البلاد لشخص أو جماعة حتى وإن كان هذا الشخص ولياً صالحاً، لأن السلطة بغير رقابة ومشاركة مفسدة. لكننى لا أركن إلى مشاركة يمن بها علىّ فصيل يكتسح الصناديق، ولا أعوّل على تشويه خصمى هذا حتى يلجأ الناس إلىّ اضطراراً وخوفاً، بل يجب أن أطوّر مهاراتى وأثقل قدراتى وأتواجد على الأرض بين الناس كيما أمثل بديلاً حزبياً مدنياً ثورياً يستخلص ثمار الثورة فى بضع سنين. تلكم المعركة التى أعدّ لها خلال هذه الفترة هى خاسرة لا محالة متى استخدم خصمى فيها حيل النظم الفاشية وتلفيق القضايا وتزييف الحقائق، خاصة بعد تمزيق قوى الثورة وتفتيتها بصورة منتظمة، بينما أستطيع المنافسة حتى وإن لوّثها الإخوان بدعاية مدفوعة أو تأثير ناعم على إرادة الناخبين، ففى النهاية طاقة الإخوان وإن ملكوا مفاتيح الحكم تظل مقتصرة -فى أسوأ حالاتها- على مداعبة الناخبين وملك أصواتهم ولو بالمال والطعام، وطاقة فلول النظام تملك التزوير الخشن وتلفيق القضايا وفتح المعتقلات.