أحمد المرشد يكتب:كوابيس مصر المنتظرة
من الواضح أن المصريين لن يتنفسوا الصعداء قريبا حتى ما بعد انتهاء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة بين محمد مرسي ممثلا لحزب العدالة والحرية والإخوان، وبين أحمد شفيق الذي يلقى معارضة شديدة من قبل الثوريين والإسلاميين بكافة توجهاتهم ومشاربهم الذين يرفضونه بصفته من فلول النظام المصري السابق.
فنتيجة الجولة الأولى لم ترض عدوا ولا حبيبا كما يقولون، فثلاثة أرباع الناخبين الذين شاركوا بأصواتهم رفضوا مرسي الإخواني، وكذلك رفض ثلاثة أرباع الناخبين شفيق، لتقف المنافسة مناصفة بينهما في الجولة الحاسمة المقبلة. والمصريون أصبحوا في موقف صعب، فكلا المتنافسين مرفوض من الأغلبية، ولكن يجب اختيار أحدهما، أي أن الفائز سيكون مثل الدواء المر الذي لا يأخذه المريض إلا مضطرا أو أشرف على الموت وجرعة هذا الدواء هي السبيل الوحيد لإنقاذه.
وحيرة المصريين لها أسبابها المنطقية، فهم يرفضون الدولة الدينية في صورة مرسي، وكذلك عودة نظام الرئيس السابق في صورة شفيق. والأمر الجيد أو المبشر أن المصريين لم يسكتوا أو يجلسوا مكتوفي الأيدي، فانطلقت المبادرات والمقترحات بهدف الحصول على تأكيدات وضمانات من المرشحين لتبديد مخاوف المصريين من سيطرة الدولة الدينية وعودة نظام مبارك السابق.. وكلاهما مر كما أسلفنا لأن الفائز سيكون واحدا من كابوسين خطرين ، الأول الاستبداد الديني، والثاني إعادة تدوير نظام مبارك .
وحاول مرسي استباق ثورة المصريين ضده في الجولة الثانية وحتى لا يخرج صفر الأيدي بعد الأمل الذي داعبه وحزبه والإخوان، ليتعهد بأن تضم مؤسسة الرئاسة ـ في حالة فوزه ـ عددا من مرشحي الرئاسة السابقين، وألا يختار نوابه من الإخوان أو حزب الحرية والعدالة، وأن تضم مؤسسة الرئاسة أطياف الشعب كافة من مرأة وأقباط وشباب ومستقلين وغيرهم.. ثم يقذف بحجر في بحر الإخوان ليعلن تراجعهم عن تشدد قديم بأن يكون رئيس الحكومة من بينهم " إنه ليس شرطا أن يكون رئيس الحكومة من الإخوان، فقد يكون من المستقلين أو التكنوقراط من أصحاب الكفاءة". ولا أعرف سببا لماذا يحاول المرشح الإخواني تحمل مسؤولية كل أخطاء الجماعة على مدى الفترة الزمنية الماضية، ليعترف بالخطأ في تشكيل الجمعية التأسيسية. أما المرشح المنافس، فقد فاجأه معارضوه بحرب بجانبهم ، أي من طرف واحد،ولكن قد تقترب ضد رغباتهم وتزيد تمسك الذين انتخبوه الجولة الأولى به ليقفوا معه في الإعادة.
مشكلة المصريين في الوقت الراهن هو ضيق الوقت وتلاشي الفرص ، بيد أن للخروج من المأزق الراهن هناك حلا يتضمن ضرورة التوافق على حكومة إنقاذ وطني ولجنة تأسيسية لوضع دستور ديمقراطي. وربما يكون هناك حل آخر وفقا لما تراه القوى السياسية المصرية وهو ما تم تسريبه في إطار وثيقة مبادئ يلتزم المرشح الفائر بتطبيقها لضمان تبديد مخاوف المصريين من الكابوسين المشار إليهما. فإذا فاز المرشح الإخواني، عليه إن يتعهد بالاستقالة من رئاسة حزب الحرية والعدالة ليكون رئيسا لكل المصريين وألا يكون لجماعة الإخوان أو مرشدها أي تأثير عليه كرئيس، والانتهاء من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. وفيما يتعلق بالمرشح الآخر أحمد شفيق، فطالبته الوثيقة المقترحة بعدم التدخل في أحكام القضاء، وعدم إصدار عفو عن الجرائم، التي ارتكبت في حق الشعب أو الثورة، أو إحياء الحزب الوطني المنحل، أو الاستعانة بأي من رموز النظام السابق، وإلا يقوم بعسكرة الدولة، حتى لا يشعر المصريون بأن ثورتهم سرقت أو اختطفت منهم، وكأنهم ما فعلوا شيئا سوى قطع رأس النظام والمجيء بآخر أشد قسوة أو تشددا دينيا.
بقدر ما استرعت الانتخابات الرئاسة المصرية اهتمام
وإذا كنا أسهبنا في المخاوف، فربما نشارك بلون أبيض في رسم الصورة القاتمة لما يجري الآن في مصر، وهو ما أكدته صحيفة دايلي تليجراف البريطانية التي قالت إنه بعد خمسة آلاف عام أصبحت مصر للمرة الأولى بدون فراعنة، ورغم أنه ليس من بين المرشحين من كانوا يصبون إليه كرئيس للبلاد بعد الثورة، إلا أن هذا لا يعني أن صورة الرئيس قد اختلفت لأنه أصبح مثل رجل الشارع العادي، حتى وإن كان مبتغاهم الحقيقي هو البحث عن سوبرمان بدرجة رئيس. وهذا بالتأكيد أمر صعب في المرحلة الراهنة وفي التجربة الانتخابية الحقيقية الأولى، وربما يتحقق لهم مرادهم في الانتخابات المقبلة ليجدوا وقتها زعيمهم الجديد الذي يحلمون به، أي رئيسا يتمتع بالذكاء وعزة النفس وأخلاق الفرسان وذا قلب طيب ومتدينا.
وختاما.. فإن المعارك الديمقراطية القادمة كثيرة، وتبدأ بالدفاع عن حقوق المواطن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية وحريته الشخصية، وهذا يستلزم في تقديرنا المتواضع أن يضع المصريون مسودة عمل أو مدونة سلوك قبل اختيار رئيسهم المقبل، على أن ترسم هذه المسودة ملامح هذا الرئيس. ومن تلك الملامح المهمة أن يكون قويا قادرا على قيادة مصر بكل مكوناتها السياسية وثرواتها البشرية والمادية باتجاه قيادة الأمة من جديد . وأن يعي خطورة اللحظة التاريخية للأمة وتمكن من السيطرة على زمام الأمور ليأخذ بعقال الأمة نحو عزتها من جديد. والأهم أن يكون رئيسا قادرا على استنفار القدرات الكثيرة الكامنة في الشعب المصري للنهوض به ليتبوأ موقعه بين الأمم.
نقلاعن صحيفة الشرق القطرية