"الريس فاروق شارد".. عاشق كنوز الفراعنة

سأل محرر «لوفيجاور» الفرنسية «الريس فاروق شارد» ألم تصب بالإحباط من مفتشي الآثار عندما رفضوا استكمال التنقيب في فناء معبد الأقصر بحثًا عن الخبيئة؟ رد فاروق شارد مبتسمًا، وقال: عملت في التنقيب عن الآثار منذ أن كنت في الثانية عشرة من عمري، وأصبحت خبيرًا بأمور التنقيب ولم أغضب منهم لأنهم هواة وموظفون!
في سنة 1989 بدأت بعثة مصرية برئاسة الأثري الراحل الدكتور محمد الصغير، عملها في تنظيف أرضية معبد الأقصر، كان «الريس فاروق شارد» هو المعين من المسئولين رئيسًا للعمال في البعثة، مع بداية العمل لاحظ الرجل الخبير تغيرًا في لون التربة فاستمر في عمله حتي وجد حجرًا من الجرانيت الوردي علي بعد 80 سم من أرضية المعبد، وبخبرة سنين طويلة في التنقيب، نادي علي المفتشين، وطالب بتعميق الحفر في موقع العثور علي الحجر، وقوبل طلبه بالرفض والسخرية.
لم يستسلم «شارد» اتصل برئيس البعثة وطلب منه 15 عاملاً إضافيًا، ورفض الدكتور محمد الصغير، وطالب بردم موقع الحفر في أرضية المعبد، ورغم ذلك عاود فاروق شارد محاولاته مع رئيس البعثة وكأنه كان يلح في أمر شخصي، وافق «الصغير» علي مضض وبدأ العمل.
مع إزاحة أول طبقات التربة ظهر حجر كبير، هرع فاروق شارد ليأتي بالحبال وأوثق بها الحجر وطلب من حراس المعبد والسياح الأجانب مساعدته في رفعه، تكشفت قاعدة لتمثال كبير، قفز «شارد» إلى الحفرة وبدأ في إزاحة الرمال عن التمثال، حتي ظهرت يد تمسك بمفتاح الحياة، كان ذلك مثيرًا للرجل للدرجة الذي جعلته يحفر بيديه بسرعة بالغة، كأنه يريد أن ينقذ شخصًا من الموت، وبعدها ظهر الملك أمنحتب الثالث متجسدًا في تمثال كبير بديع الشكل من حجر الجرانيت الوردي، وبجواره 3 تماثيل أخري، صدح المعبد بصيحات الإعجاب من الأجانب والمصريين، وأبلغ رئيس البعثة القاهرة وتم تشكيل لجنة كبيرة.
خصصت هيئة الآثار في ذلك الوقت 200 عامل للتنقيب برئاسة فاروق شارد، وتم تعميق الحفر لمسافة 4 أمتار في باطن التربة، ولم يتم العثور علي شيء، لم يستسلم «شارد» وطلب من أحد العمال الحفر بالفأس، ومع أول الضربات سمع الرجل اصطدام الفأس بحجر، نزل إلى الحفرة وبدأ بإزاحة الرمال فوجد تمثالاً من حجر المرمر واستكمل الحفر حتى كشف عن تماثيل كبيرة مكدسة في باطن الأرض، تم اكتشافها وبلغ عددها 15 تمثالاً كبيرًا وهي التي أطلق عليها خبيئة معبد الأقصر، وكان لذلك الاكتشاف أصداء عالمية، وتم عرض هذه التماثيل لتملأ
فاروق شارد ينتمي لعائلة من محافظة قنا امتهنت التنقيب عن الآثار واستعانت بها الهيئة في البحث عن الآثار لخبرتها الطويلة في هذا المجال، وشارك الريس فاروق شارد في عدة حفائر في الهرم، والمطرية، والأقصر، وكوم أمبو، والإسماعيلية، والمنصورة، مع بعثات كندية وألمانية ومصرية، واكتسب «شارد» خبرة عملية كبيرة وكان يحدد وجود آثار من عدمه من خلال لون التربة وقطع الفخار.
كان «شارد» صاحب شخصية جذابة ويقوم بتدريب عمال الحفائر علي الغناء أثناء العمل، للتسرية واستهلاك الوقت في ظل ظروف العمل الصعبة في الشمس الحارقة، وكان يُقسِم النهار إلى فقرات.. في الصباح التواشيح الدينية، ونهارًا أغان خفيفة من الفلكلور، وكان يأمر النساء اللاتي كن يشاركن في الحفائر بالمواقع الأثرية في الدلتا بإطلاق الزغاريد لتشجيع العمال، ولفت ذلك انتباه باحثة أمريكية فقامت بتوثيق ما يردده الريس فاروق شارد وعماله في المواقع الأثرية.
من الحوادث الغريبة التي تكشف سرعة بديهة الرجل تدخله السريع لإنقاذ مقبرة في أسوان في مركز كوم أمبو من الهدم، حيث كانت الهيئة قد صرحت ببناء كافتيريا بالقرب من موقع أثري، اعتقادًا من المسئولين بخلوه من الآثار، تدخل «شارد» ومنع المعدات من العمل، وطلب من الدكتور أحمد قدري، رئيس الهيئة، في ذلك الوقت، تشكيل لجنة من رؤساء القطاعات في الهيئة وأساتذة كلية الآثار لدراسة الموقع، وتم وقف بناء الكافتيريا، ولم يصبر «شارد» حتي وصول اللجنة، ليكتشف مقبرة صغيرة حوت مومياء وخرزا وأغراضا أخري.
لم يحظ الريس فاروق شارد بتكريم لائق سوي بشهادة تقدير من الآثار بعد اكتشاف الخبيئة، ولم يبخل بخبراته علي الأثريين حتي وفاته في 2014.