رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وداعا دكتور عبدالملك عودة

غيب القدر المحتوم في الأيام القليلة الماضية العالم الجليل، والإنسان المصري الأصيل،وفقيه العلوم السياسية في مصر والوطن العربي وقارة افريقيا والذي تخرجت على يديه وتتلمذت على أفكاره أجيال عديدة من الدارسين والباحثين في العلوم السياسية،وخصوصا في مجال الدراسات الأفريقية والتي كانت المجال

المفضل لأستاذنا الراحل عبدالملك عودة والذي كان يذكر لطلابه دائما أنه يعرف القارة الأفريقية بأدغالها وأحراشها وأنهارها وقبائلها معرفة وثيقة، وكان يعمل على نقل خبراته الواسعة إلى طلابه وتلاميذه والذين ارتبط بهم ارتباطا وثيقا ليس فقط على المستوى العلمي والأكاديمي بل أيضا على المستويين الاجتماعي والإنساني،حيث كان رحمه الله ذا ذاكرة حادة في معرفة طلابه وتلاميذه بأشكالهم وأسمائهم وخاصة طلبة الدراسات العليا رغم كثرتهم وتعددهم.
ويعتبر الأستاذ الدكتور عبدالملك عودة من القلائل الذين لا يختلف أحد على قيمتهم العلمية وصفاتهم الإنسانية الرائعة، فبرغم أن الدكتور عبدالملك رحمه الله كان في فترة من الفترات يتولى عمادة ثلاث كليات وهي الاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام ومعهد الدراسات الأفريقية في آن واحد إلا أن سمة التواضع كانت من السمات الهامة المميزة لشخصيته والتي أضاف إليها القدرة على التواصل الاجتماعي مع جميع الأطراف مما جعل منه قيمة وقامة علمية وإنسانية يندر تكرارها، ووضع لمساته وبصماته الواضحة في مجال الدراسات الأفريقية بصفة خاصة وفي مجال العلوم السياسية بصفة عامة، وكان منشغلا دائما بقضايا وهموم الوطن وانتشر تلاميذه في مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها، وفي الجامعات والمراكز البحثية ووزارة الخارجية ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وفي جامعة الدول العربية ،وفي داخل مصر وخارجها حيث لم يكن المصريون فقط هم تلامذة الدكتور عبدالملك وانما كان له تلاميذ من الأشقاء العرب والأفارقة، وبرغم هذا التنوع إلا أنه كان قادرا على التواصل مع الجميع والسؤال عنهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، لقد كان البعد الإنساني من المفاتيح المهمة لشخصيته وربما كان يعتبر التواصل الإنساني والعلاقات الإنسانية الطيبة هي المدخل لتحقيق أي انجاز علمي، ويلاحظ إنه كما كان متميزا في قدراته العلمية والبحثية كان متميزا أيضا في قدراته الإدارية حيث كان إداريا من الطراز الأول ويشهد على ذلك ما حققه من نجاحات في مختلف المناصب التي تولاها، ورغم مقدرته الإدارية الفذة لم يكن في يوم متعطشا للبطش بالمرؤسين أو توقيع الجزاءات أو العقوبات عليهم بل كان أكثر ميلا إلى الإدارة الإنسانية والتي كان يرى أنها الأقدر على تحقيق الأهداف التي تعجز القسوة والشدة عن تحقيقها.
لقد اختلطت في شخصيته الرغبة في الإنجاز والمقدرة الإدارية والاعتبارات الإنسانية والشخصية القوية والتواضع والارتباط بالأصول والجذور في مركب واحد نادرا ما يتكرر فقد كان رحمه الله محبا لوطنه ولعلمه ولعمله ولطلابه والذين كان يعتبرهم بمثابة أسرته الأكبر، ويغرس فيهم دائما قيم الالتزام والانضباط على المستوى الإنساني إضافة إلى ما يغرسه فيهم من آراء وأفكار

علمية، وقد كان مدركا إلى حد بعيد لأهمية القارة الأفريقية بالنسبة لمصر حيث ينبع من هذه القارة شريان الحياة الرئيسي بالنسبة لمصر وهو نهر النيل العظيم، ويجعل من ارتباط مصر بقارتها الأفريقية وخصوصا بدول منابع النيل أمرا محوريا وضرورة وجود وحياة، ولذلك كان شديد الاهتمام بالقارة ككل ومشاكلها وتطوراتها السياسية في فترة الكفاح من أجل الاستقلال، وكذلك في فترة ما بعد التحرر من الاستعمار وما شهدته القارة الأفريقية من تحديات جديدة في عصر الاستقلال، وقد كان كتابه الشهير «سنوات الحسم في أفريقيا» من الدراسات المهمة والرائدة في هذا الشأن.
لقد ارتبطت حياة أستاذنا الراحل بأسرته الصغيرة،وبأسرته الأكثر اتساعا وهي الجماعة العلمية في حقل العلوم السياسية في مصر والوطن العربي، وبوطنه مصر وبالقارة الأفريقية، أسهم في إثراء وتطوير حقل الدراسات الأفريقية بإسهاماته العلمية الجادة والرصينة من كتب وأبحاث والأعداد الضخمة من رسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرف عليه وكتاباته الصحفية التي كانت دائما تأتي بالجديد من الأفكار وتعمل على وضع حلول للمشكلات المثارة، مما جعله قدوة ومثالا يحتذى لأجيال متعددة من الباحثين، فقد كان رحمه الله نموذجا لما يجب أن يكون عليه الأستاذ الجامعي من خصائص وصفات، ولما يجب أن يكون عليه الباحث العلمي الجاد المنشغل بقضايا واهتمامات وطنه،ولما يجب أن يكون عليه الإنسان المصري الأصيل المرتبط بجذوره وأصوله، ولما يجب أن يكون عليه الإداري الناجح والذي يؤدي عمله بكفاءة واقتدار، وأشهد أنني لم ألاحظ عليه رحمه الله أي تغيير في شخصيته نتيجة للمناصب التي تولاها أو المهام التي تقلدها بل ظل دائما محافظا على السمات الأصيلة في شخصيته مما يعكس درجة كبيرة من التكامل في الشخصية والاستقرار النفسي الداخلي.
اللهم ارحمه وأحسن إليه وأغفر له جزاء لما قدمه لتلاميذه وطلابه ولوطنه، وخالص العزاء لأسرته الصغيرة ولأسرته الكبيرة ولمصر في فقدان أحد أبنائها المخلصين.