بلطجة على دمشق وغيتو في رفح.. خبير عسكري يكشف لـ"الوفد" أهداف إعادة الهندسة الجغرافية

في الوقت التي تمارس فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضرباتها في المنطقة والتي كانت آخرها الغارات الجوية على دمشق والتي وصفتها الجامعة العربية بأنها "بلطجة"، كشفت خبير عسكري أردني النقاب عن مخطط إسرائيلي خطير لتهجير الفلسطينيين، وسلط الضوء على أبعاد الاستراتيجية الإسرائيلية لما يصفه بـ"إعادة الهندسة الجغرافية" للقطاع، وكشف عن تفاصيل خطيرة لخريطة انتشار القوات الإسرائيلية، واصفاً خطط "المنطقة الإنسانية" جنوب قطاع غزة بـ"غيتو رفح".
شرح الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد، في تصريحات لـ"الوفد"، عن أبعاد الأعمال العسكرية الإسرائيلية الجارية في غزة. وأوضح أبو زيد أن هذه الأعمال الهندسية تهدف إلى إعادة هندسة جغرافية غزة بما ينسجم مع الخارطة الجديدة التي قدمها الاحتلال، خلال مفاوضات الدوحة، والتي رفضتها المقاومة الفلسطينية.

وأشار أبو زيد إلى أن الهدف هو التحايل من خلال تغيير الجغرافيا حسب الخرائط الجديدة وليس مطابقة الخرائط مع الجغرافيا القائمة، موضحاً أن هذه الجهود ترتبط بتصورات جغرافية جديدة يجري الحديث عنها في الأوساط العسكرية الإسرائيلية، خاصة ما يتعلق بـ"المنطقة الإنسانية" جنوب محور "موراغ".
أكد أبو زيد أن نشر خارطة انتشار القوات الإسرائيلية في هذا التوقيت يعد محاولة لفرملة المسار التفاوضي، موضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمد إلى كبح جماح الاندفاعة التفاوضية لأن نجاح وقف إطلاق النار الآن – في ظل الفشل العسكري – ليس من مصلحته.
وأشار إلى أن الخريطة تكشف سيطرة الاحتلال على منطقة رفح التي تشكل 20% من مساحة قطاع غزة، مع انتشار للقوات بعمق 1-1.5 كم، باستثناء خمس مناطق هي: بيت لاهيا، بيت حانون، التفاح، القرارة، وجحر الديك، حيث تتمركز الفرق القتالية الرئيسة. ولفت إلى أن هذه المناطق ترتبط بممرات حركة أنشأها الاحتلال مؤخراً، بهدف الاحتفاظ بقدرة دائمة على التحرك "من حدود الغلاف إلى قلب القطاع والساحل"، تمهيداً لـتطبيق نموذج الضفة الغربية في الدخول والخروج إلى غزة وقتما يشاء.
وحذر أبو زيد من أن هذه الخريطة تؤكد نوايا إسرائيل بالتمسك بـ"الفكر الاستئصالي عبر تهجير الغزيين إلى ما أسماه منطقة إنسانية في رفح"، واصفاً إياها بـ"غيتو رفح"، في إشارة إلى سياسات العزل القسري التي تمارسها إسرائيل.

كشف أبو زيد عن نجاح المقاومة في فرض تحديات نوعية على القوات الإسرائيلية عبر توظيف تكتيك الكمائن ضمن نطاقات دفاعية في الطرقات والممرات والمباني، ما أجبر القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى اللجوء إلى الجو بدلاً من البر. وقال: "لكن في العرف العسكري، الجو لا يمسك أرضاً ولا يحسم معركة"، مشيراً إلى أن ذلك أربك القرار العسكري الإسرائيلي بشكل عام.
وأوضح الخبير العسكري أن إسرائيل تسعى لـ"استنساخ نموذج الضفة الغربية في قطاع غزة" عبر إنشاء شبكة من "الممرات الحركية" التي تؤمن لقواتها إمكانية التحرك العسكري وقتما تشاء وأينما تشاء، حتى بعد أي انسحاب محتمل.
وعلى الرغم من اعتراف أبو زيد باستمرار إسرائيل في تطبيق استراتيجية تقسيم غزة إلى "كنتونات" عبر محاور شمال-جنوب وشرق-غرب، إلا أنه شكك في نجاحها التكتيكي، مستنداً إلى الفشل الذي منيت به في خطة الجنرالات وعربات جدعون، مشيراً إلى أن المؤشرات الميدانية منذ بداية يونيو أصبحت لصالح المقاومة.
وكانت جامعة الدول العربية ادانت بشدة المخططات الإسرائيلية الجديدة الهادفة إلى إقامة مخيم للفلسطينيين جنوب قطاع غزة، في خطوة وصفتها بـ"غير إنسانية" وتندرج ضمن محاولات الاحتلال المستمرة لإعادة هندسة الجغرافيا وفرض واقع جديد على الأرض.
ووصفت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مخطط إسرائيل الذي يجري تداوله لإقامة ما يسمى بـ"مدينة إنسانية" للفلسطينيين في جنوب قطاع غزة، معتبرة أن هذه التسمية مضللة ولا تمت بصلة للمدنية أو الإنسانية.
وأكدت الجامعة أن هذا المشروع يعكس مستوى غير مسبوق من الانحدار الأخلاقي والقيمي للاحتلال الإسرائيلي، ويكشف عن نية مبيتة لإعادة احتلال غزة، وفرض أمر واقع يهيئ لبناء مستوطنات جديدة، في ظل سياسة ممنهجة للتطهير العرقي.

وناشدت الجامعة المجتمع الدولي التصدي بقوة لهذه المخططات، محذرة من تكرار مآسي القرن العشرين، ومؤكدة أن الحل العاجل يبدأ بوقف فوري لإطلاق النار، مع تحميل إسرائيل مسؤولية العرقلة المستمرة لأي جهود تهدئة حقيقية.
وقالت الأمانة العامة إن هذا المخطط يهدف إلى حشر الفلسطينيين في مخيم صغير جنوب قطاع غزة. واعتبرت الجامعة العربية هذه الخطة، انعكاس لمستوى جديداً من الانحدار الأخلاقي والقيمي للاحتلال.
كما أدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بأشد العبارات الغارات الجوية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على سوريا، والتي طالت مواقع حساسة أبرزها مقر هيئة الأركان في دمشق ومحيط القصر الرئاسي، معتبرة أنها تمثل اعتداءً سافراً على سيادة دولة عربية عضو في الجامعة والأمم المتحدة، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
ووصفت الأمانة هذه الهجمات بأنها "بلطجة" وممارسات غير مقبولة من المجتمعين الإقليمي والدولي، محذرةً من استغلال الاحتلال لأحداث محافظة السويداء الأخيرة – والتي أدانتها السلطات السورية ووصفتها بـ"الأعمال المشينة" – لزرع الفوضى. وناشدت الجامعة الحكومة السورية العمل على "نزع فتيل الفتنة عبر الحوار"، معربةً عن تضامنها الكامل مع دمشق.
وفي سياق آخر ، أطلقت الأمانة العامة ورشة عمل بالتعاون مع مؤسسات أوروبية بهدف تعزيز التعاون القانوني والقضائي العربي الأوروبي، وناقشت عدد من المحاور من بينها: التعاون الدولي في التحقيقات، وتفعيل شبكة التعاون القضائي العربي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والعلاقات مع دول العالم الثالث، إضافة إلى دور قضاة الاتصال.
فبينما تشدد الجامعة العربية والخبراء على خطورة المخططات الإسرائيلية في المنطقة واصفين إياها بمراحل متقدمة من التهجير وإعادة التشكيل الجغرافي لخدمة أهداف الاحتلال العسكرية والسياسية، تواصل المؤسسات العربية عملها الدؤوب لتعزيز التعاون الدولي وبناء القدرات في المجال القضائي لمكافحة التحديات الأمنية المشتركة.