علي جمعة: تربية الساجد قبل تزيين المساجد

شدد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، في خطبته يوم الجمعة بتاريخ 30 سبتمبر 2011، على أهمية بناء الإنسان كأساس لبناء الحضارة، مشيرًا إلى أن النبي ﷺ كان يربي أصحابه ويهتم بتزكية نفوسهم قبل أي شيء آخر.
أوضح جمعة أن الرسول ﷺ كان يركّز على تربية الساجد قبل تزيين المساجد، وعلى إعداد الفرد القادر على تعمير الأرض ونشر الخير، وليس من يهدم ويدمّر. ومن خلال مواعظه وتوجيهاته، استطاع النبي ﷺ أن يترك نورًا يهدي البشرية إلى يوم القيامة.
الموعظة التي تهز القلوب
استشهد الدكتور جمعة بحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، عندما قال:
"تعهدنا رسول الله ﷺ بموعظةٍ بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله لعلها موعظة مودّع فأوصنا".
هذا الحديث يعكس مدى تأثير كلمات النبي ﷺ على أصحابه، إذ شعروا بأنها قد تكون آخر وصاياه لهم، فطلبوا منه خلاصة ما يحتاجونه في حياتهم، فكان جوابه المختصر والمليء بالحكمة: "أوصيكم بتقوى الله".
التقوى: مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة
أوضح الدكتور جمعة أن تقوى الله ليست مجرد مفهوم ديني، بل هي برنامج عملي لحياة الإنسان. فمن جعلها هدفه في الحياة، فإنه سيبتعد عن المعاصي، ويعيش بضمير يقظ يحثه على الخير. وتأكيدًا على ذلك، ذكر تعريف الإمام علي رضي الله عنه للتقوى بأنها:
- الخوف من الجليل: الشعور برقابة الله في كل فعل.
- العمل بالتنزيل: تطبيق تعاليم القرآن في الحياة اليومية.
- الرضا بالقليل: القناعة بما قسمه الله، وعدم اللهث وراء الدنيا.
- الاستعداد ليوم الرحيل: إدراك أن الدنيا مرحلة مؤقتة، والعمل لما بعدها.
التقوى كمنهج حياة
أكد جمعة أن من يجعل تقوى الله هدفه، سيجد أن الله يعينه على التغلب على الشيطان وأهواء النفس، مستشهدًا بقوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}. وأضاف أن التقوى تمنح الإنسان راحة البال والطمأنينة، وتجعل الدنيا في يده لا في قلبه، مما يجعله في حالة من الرضا الداخلي الذي لا يمكن للأموال أو المناصب أن تمنحه.
اختتم جمعة خطبته بدعوة الجميع إلى تبني برنامج التقوى في حياتهم اليومية، وتحويل المواعظ إلى أفعال، تمامًا كما فعل الصحابة، الذين تركوا أثرًا عظيمًا في التاريخ بسبب التزامهم بنهج النبي ﷺ.
بهذا، يتضح أن بناء الإنسان هو الركيزة الأساسية لأي نهضة، وأن إصلاح الفرد هو الخطوة الأولى لإصلاح المجتمع، وهو ما يجب أن يكون في صلب اهتمامات كل مسلم يسعى للفوز في الدنيا والآخرة.