مراجعات
عندما نبدأ عامًا جديدًا ـ في رحلة أعمارنا القصيرة ـ كرقمٍ يُضاف إلى تقويم الأيام، ولحظة فاصلة بين ما كان، وما هو كائن، وما نرجو أن يكون، فإننا ندخله مُحَمَّلين بأسئلة ثقيلة، وأحلام مؤجلة، وقلوب أنهكتها سنوات من الصبر، لكنها لم تفقد بعد قدرتها على الأمل.
يدخل علينا العام الجديد، والمصريون لا يقفون على أعتابه، بترفِ الترقب، بعد زمنٍ مرير من الغلاء، والتضخم، وضيق الحال، وتآكل القدرة على الاحتمال، حتى بات السؤال البسيط والمشروع: هل يكون 2026 عامًا لتجدد الأمل، وأفضل من سابقيه؟!
لقد عاش المصريون سنواتٍ صعبة، لم تكن فيها الأزمات أرقامًا في تقارير، بل وجوهًا شاحبة، وبيوتًا تعيد ترتيب أولوياتها قسرًا، وأحلامًا صغرت لتناسب واقعًا ضاغطًا، لتتقلص المسافات بين الرغبة والعجز، وباتت الحياة اليومية امتحانًا مفتوحًا للصبر!
ورغم كل هذا الواقع البائس، يظل هذا الشعب ـ الصابر المحتسب ـ صامدًا حيًّا، يدفع فاتورة الاستقرار، ويؤجل حقه في الرفاهية، إيمانًا بأن الوطن أولًا، حتى وإن تأخر المقابل.. فالمصريون ـ بطبيعتهم ـ لا يستقبلون الأعوام الجديدة بالأمنيات وحدها، بل بوعيٍ صلبٍ، بأن الغد لا يُمنح، بل يُصنع.
يفينًا، لم تكن الأزمات ـ المتفاقمة والمتراكمة ـ مؤشرات أو أرقام في بيانات، بل وجعًا في كل بيت، وحيرة في وجه كل أب، وقلقًا في عين كل أم، تحسب احتياجات الشهر قبل أن يبدأ.. ورغم ذلك، بقيَ المصريون متماسكين، مدركين أن الصبر لم يكن خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة مرحلية.
مع دخول عام جديد، تتجدد الآمال في أن تلتفت السياسات العامة إلى جوهر معاناة الناس، برؤىً مختلفة، تخفف العبء عن كاهل المواطن، وتوازِن بين متطلبات الإصلاح وحماية الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل، بعد أن اختفت المتوسطة في زحام الغلاء والفشل والإخفاقات.
لا أحد ينكر صعوبة التحديات، لكن المصريين ينتظرون ضوءًا في آخر النفق، لجني الثمار، لا وعودًا مؤجلة، والشعور بأن تضحياتهم لم تذهب سدى، وأن القادم يحمل انفراجة حقيقية لا مجرد صمود جديد، وألا تكون السنة الجديدة مجرد شعارات تُرفع، بل حقوق تُصان.
لذلك، تظل الآمال معلقة على 2026، أن يكون مختلفًا في جوهره، لا في شعاراته، وأن تُستعاد فيه هَيْبَة الملفات التي تمس حياة الناس مباشرة، من خلال سياسة عادلة، وإدارة ترى الإنسان قبل الأرقام، وتدرك أن كُلفة الإهمال أعلى من تكلفة الإصلاح.
أخيرًا.. نتصور أن 2026، هو عام الاختبار الحقيقي، فإما أن يكون بداية استرداد للحياة، أو حلقة جديدة في مسلسل الاحتمالات، وتدوير الأزمات، أو عامًا للوضوح، والمصارحة والعمل الجاد، ليشعر المصريون بأن تعبهم مقدَّر، وصوتهم مسموع، ومستقبلهم ليس مؤجلًا إلى أجل غير معلوم.
فصل الخطاب:
يقول «زعيم الأمة» سعد زغلول: «الحرية لا تُمنَح، والعيش الكريم لا يُوهَب، بل يُنتزعان بوعي الشعوب وصبرها وإصرارها».