رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

ً وداعا فيلسوف الإخراج السينمائى

داوود عبــدالسيد.. يغــادر «أرض الخـــوف»

المخرج الكبير داوود
المخرج الكبير داوود عبدالسيد

لم تشأ 2025 أن تنتهى دون أن تأخذ معها واحدًا من أهم وأصدق مخرجى السينما المصرية، إذ رحل عن عالمنا المخرج الكبير داوود عبدالسيد، عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وسينمائيًا بالغ الثراء، ومسيرة استثنائية حفرت اسمه بعمق فى وجدان السينما المصرية والعربية، بوصفه مخرجًا آمن بالإنسان وقضاياه، وجعل من السينما وسيلة للتأمل والسؤال، لا مجرد أداة للترفيه.

وبرحيل داوود عبدالسيد، فقد الوسط الفنى أحد أبرز صناع سينما المؤلف، وأحد القلائل الذين امتلكوا مشروعًا فكريًا متماسكًا ظل وفيًا له حتى لحظة الاعتزال، ثم الرحيل. وقد نعت نقابة المهن التمثيلية ونقابة السينمائيين المخرج الراحل، كما نعاه عدد كبير من نجوم الفن والمثقفين وصناع السينما، مؤكدين أن رحيله يمثل خسارة فادحة للسينما المصرية، لما كان يمثله من قيمة فنية وإنسانية نادرة.

وُلد داوود عبدالسيد فى 23 نوفمبر عام 1946، وحصل على بكالوريوس الإخراج السينمائى من المعهد العالى للسينما عام 1967، ورغم أن طموحه فى الطفولة لم يكن أن يصبح مخرجًا سينمائيًا، إذ حلم فى بداياته بأن يكون صحفيًا، فإن شغفه بالصورة والواقع الإنسانى قاده إلى عالم السينما، حيث وجد فيها المساحة الأوسع للتعبير عن أسئلته الوجودية ورؤيته الخاصة للعالم.

بدأ «عبدالسيد» مسيرته المهنية بالعمل مساعد مخرج فى عدد من أهم الأفلام الكلاسيكية التى شكلت وعيه السينمائى، من بينها فيلم الأرض للمخرج العالمى يوسف شاهين، والرجل الذى فقد ظله للمخرج كمال الشيخ، إلى جانب أوهام الحب للمخرج ممدوح شكرى، وهى تجارب منحته خبرة مبكرة، وأسهمت فى صقل أدواته الفنية وبناء رؤيته الإخراجية المتفردة.

وانطلاقًا من شغفه برصد المدينة المصرية والإنسان البسيط، اتجه داوود عبدالسيد فى بداياته إلى صناعة الأفلام التسجيلية ذات الطابع الاجتماعى، فقدم أعمالًا عكست اهتمامه العميق بالواقع وقضاياه، من بينها وصية رجل حكيم فى شئون القرية والتعليم عام 1976، والعمل فى الحقل عام 1979، وعن الناس والأنبياء والفنانين عام 1980، والصعاليك عام 1985، وهى أفلام كشفت مبكرًا عن مخرج يرى فى السينما أداة للمعرفة والتأمل.

ومع انتقاله إلى السينما الروائية، رسّخ داوود عبدالسيد مكانته كأحد أبرز المخرجين أصحاب المشروع المتكامل، فقدم أعمالًا أصبحت علامات مضيئة فى تاريخ السينما المصرية، مثل البحث عن سيد مرزوق، والكيت كات، وأرض الأحلام، وأرض الخوف، ومواطن ومخبر وحرامى، ورسائل البحر، وقدرات غير عادية. وقد اتسمت هذه الأفلام بطرح فلسفى وإنسانى عميق، تناول قضايا الاغتراب، والبحث عن الهوية، والصراع النفسى، والحرية، فى إطار فنى تجاوز الترفيه السطحى إلى طرح أسئلة وجودية جريئة، جعلت من أفلامه مادة دائمة للنقاش والتحليل.

وفى يناير عام 2022، أعلن داوود عبدالسيد اعتزاله الإخراج السينمائى بشكل نهائى، فى قرار أثار جدلًا واسعًا، لكنه جاء منسجمًا مع قناعاته الفنية، إذ صرح حينها بعدم قدرته على التكيف مع ذائقة الجمهور السائدة، التى رآها تميل إلى التسلية على حساب المضمون، مؤكدًا أن السينما بالنسبة له وسيلة لفهم النفس البشرية ومناقشة القضايا، لا مجرد استعراض للعنف أو مشاهد الحركة المستوردة.

وبرحيله، يُغلق فصل مهم من فصول السينما المصرية، فصل كتبه مخرج آمن بأن الفن موقف، وبأن الصورة يمكن أن تكون سؤالًا، وبأن السينما الحقيقية تعيش طويلًا حتى بعد غياب صناعها. رحل داوود عبدالسيد جسدًا، لكن أفلامه ستظل شاهدة على موهبة نادرة، ورؤية صادقة، وتجربة سينمائية ستبقى حاضرة فى ذاكرة الفن العربى لسنوات طويلة قادمة.