رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

قليلون هم من يستطيعون أن يجمعوا بين موهبتهم الخاصة وإرثهم الفني، وأن يصنعوا لأنفسهم هوية مستقلة بعيدًا عن الظلال الثقيلة للآباء، وأحمد السعدني واحدًا من هؤلاء القلة، الذين رسموا لأنفسهم خطًا خاصًا بهم، وهو ما أكده وبرهن عليه في مسلسله الجديد "لا ترد ولا تستبدل"، من خلال شخصية "طه" التي تفيض خفة دم، وصدقًا إنسانيًا، وحضورًا يجعل المشاهد يبتسم وهو يشعر بثقل الحياة في الخلفية.
من اللحظة الأولى، يبدو طه شخصًا نعرفه جيدًا؛ رجل بسيط، قريب، خفيف الروح، لكنه محاصر بمشاكل أسرية وضغوط يومية، توفت زوجته، وتركت له ابنته التي تمر بأزمات صحية قاسية وتحتاج لجلسات تخاطب وتغيير بطارية جهاز السمع، ورغم كل ذلك، لا يفقد جدعنته ولا قدرته على أن يكون سندًا لأخيه الذي يتعاطى المخدرات ويتورط في عميليات سرقة، وأخته الحاملالتي تعيش معه بعد خلافها مع زوجها وهروبه منها ومن مسئوليتها، ولكل من يلجأ إليه.. هنا تتجلى موهبة السعدني الحقيقية في قدرته على تحويل الألم إلى ضحكة صادقة، والضغط إلى إنسانية دافئة، دون افتعال أو استعراض.
لكن هذه الخفة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج رحلة طويلة من التنوع والتجريب والاختيارات الصعبة، فإذا عدنا قليلًا إلى مسيرة أحمد السعدني، سنجد ممثلًا لم يرضَ بأن يسير في طريق سهل، ولم يكتفِ بأدوار مريحة أو نمطية، بل سعى دائمًا لاختبار نفسه في مساحات مختلفة، حيث تنقل أحمد السعدني بين أدوار اجتماعية وكوميدية ودرامية، يختبر نفسه في كل مرة، ويضيف إلى رصيده خبرة جديدة، فلم يكن ممثلًا يبحث عن البطولة السريعة، بقدر ما كان يسعى إلى تراكم التجربة، وبناء شخصية فنية واضحة الملامح.
ففي مسلسل "أفراح القبة"، قدّم السعدني أحد أكثر أدواره تركيبًا وتعقيدًا، هناك لم يكن الاعتماد على خفة الدم أو القرب السهل من الجمهور، بل على التحكم في الانفعالات، وبناء شخصية محاطة بالصراعات الداخلية، والغوص في عوالم نفسية داكنه.. أداؤه في هذا العمل كشف عن ممثل يمتلك أدوات درامية حقيقية، قادر على الوقوف بثبات داخل عمل شديد الخصوصية، دون أن يضيع أو يختفي وسط ثقل النص.
ثم جاء "الكبريت الأحمر"، ليؤكد أن السعدني لا يخشى التجريب والخروج من المناطق الآمنة، في هذا العالم الغامض والمشحون بالرموز، استطاع أن يقدم شخصية مختلفة، تعتمد على الهدوء، والترقب، والحضور الداخلي أكثر من الكلام المباشر.. كان الأداء هنا أقرب إلى التمثيل الصامت أحيانًا، حيث تُقال المشاعر بالنظرات، ويُبنى التوتر بالتفاصيل الصغيرة.
وفي مسلسل "لام شمسية"، أظهر الجانب الآخر من موهبته، كان أبًا للطفل الذي تعرض للتحرش الجنسي من أقرب أصدقائه، مشاهد مؤلمة تتطلب إحساسًا عميقًا، وحضورًا شعوريًا ثابتًا.. هنا استطاع السعدني تقديم الألم والوجع الداخلي بطريقة تجعل المشاهد يشعر بكل لحظة، دون أي مبالغة أو تعريض نفسه للإفراط الفني، فكانت هذه تجربة تعليمه الصبر على المشاعر الثقيلة، والتحكم في الإحساس بالدراما الواقعية، وهي خبرة أثرت لاحقًا في كل شخصياته.
في هذا السياق، يصبح "لا ترد ولا تستبدل" امتدادًا طبيعيًا لكل ما سبق، فشخصية طه تحمل في داخلها خبرات السعدني السابقة كلها، تمكن "أفراح القبة"، هدوء "الكبريت الأحمر" وعمق "لام شمسية"، وإنسانية الأدوار الاجتماعية التي تقربه من الناس، هو هنا ممثل يعرف متى يضحك الجمهور، ومتى يترك مساحة للصمت، ومتى يسمح للمشهد أن يتنفس دون تدخل.
ولا يمكن الحديث عن أحمد السعدني دون التوقف عند علاقته بإرث والده، الفنان الكبير صلاح السعدني، هذا الاسم الذي كان يمكن أن يكون طريقًا مختصرًا، اختار أحمد أن يتجاوزه بهدوء، لم ينكر الإرث، لكنه لم يتكئ عليه، وفضّل أن يصنع لنفسه خطًا فنيًا مختلفًا، معاصرًا، وأقرب إلى قلق الإنسان اليومي وأسئلته.
اليوم، يبدو أحمد السعدني فنانًا ناضجًا، يعرف نفسه جيدًا، ويعرف ماذا يريد من كل دور، ليس ممثلًا يعتمد على الإفيه، ولا على ثقل الاسم، بل على الإحساس، والتفاصيل، والصدق، لم يعد مجرد ابن فنان كبير، ولا مجرد ممثل خفيف الظل، بل حالة فنية مستقلة، تتشكل مع كل عمل، وتزداد وضوحًا مع كل تجربة، فنان يعرف أن الطريق الحقيقي أطول، لكنه أبقى أثرًا، وأكثر صدقًا.. "لا ترد ولا تستبدل" ليس مجرد مسلسل ناجح، بل علامة جديدة في مسيرة ممثل اختار أن يكبر بهدوء، وأن يراكم التجربة بدلًا من الضجيج.