«الترجمة بين الأمانة والخيانة الجميلة».. ندوة بفرع ثقافة الفيوم
أقامت الثقافة العامة بفرع ثقافة الفيوم، ندوة فكرية بعنوان «لغة الترجمة الأدبية»، في إطار اهتمام الفرع بتعميق الحوار الثقافي حول قضايا الإبداع واللغة.
جاء ذلك بمشاركة نخبة من الأدباء والمترجمين والنقاد، ورواد قصر ثقافة الفيوم، من خلال فعاليات الندوة التي تكشف أسرار الترجمة الأدبية.
استضافت الندوة الكاتب والمترجم الكبير يوسف نبيل، الذي قدّم محاضرة فنية تناولت طبيعة الترجمة الأدبية ومسؤولياتها الإبداعية، إلى جانب الناقد الدكتور محمد سيد عبدالتواب، الذي ناقش إشكاليات الترجمة في مصر، وحالة مؤسساتها، وأوضاع المترجمين في المرحلة الراهنة.
مسار الترجمة في مصر ضمن ندوة بفرع ثقافة الفيوم
أدار اللقاء الكاتب عصام الزهيري، الذي استهل الندوة بتقديم تاريخي ثري لمسار الترجمة في مصر، مؤكدًا أن الترجمة شغلت مكانة سامية منذ الحضارة المصرية القديمة، وأن للمترجمين وضعًا رفيعًا في البلاط الملكي، مستشهدًا بما ورد في الوثائق المصرية القديمة التي تعود إلى ما قبل 4400 عام، ووثيقة الصلح بين رمسيس الثاني والحيثيين باعتبارها أقدم وثيقة مترجمة في القانون الدولي، فضلًا عن وثائق تل العمارنة وغيرها، كما أشار إلى أن ازدهار الحضارة العربية ارتبط ارتباطًا وثيقًا بحركة الترجمة ونقل العلوم والفلسفة تمهيدًا لتطويرها والبناء عليها.
وتناول الزهيري إشكالية الترجمة الحديثة، مشيرًا إلى اقتران مفهوم الترجمة في الوعي اللغوي بفكرة «الخيانة»، بين خيانة النص الحرفي أو خيانة المعنى، معتبرًا أن بقاء النص بلا ترجمة هو في حد ذاته «خيانة حضارية».
من جانبه، استعرض المترجم يوسف نبيل الجهد الكبير الذي تتطلبه الترجمة الأدبية، مؤكدًا أن المترجم في أعلى مستويات الإبداع يضطلع بمسؤولية لغوية وتعبيرية لا تقل عن مسؤولية الكاتب في لغته الأصلية. وطرح نماذج دقيقة لإشكاليات ترجمة الرواية، خاصة في التعامل مع اللهجات، ولوازم الحديث، والتراكيب العامية، والأمثال الشعبية ذات الخصوصية الثقافية، مشيرًا إلى المأزق الذي يواجه المترجم في مصر حاليًا، في ظل تراجع مبيعات الكتب، وضغط النفقات من دور النشر، وتأثير الترجمة الآلية التي قلّصت دور المترجم إلى محرر فني في بعض الحالات.
وفي كلمته، تناول الناقد الدكتور محمد سيد عبدالتواب بدايات الرواية العربية، موضحًا أن الترجمة لعبت دورًا تأسيسيًا في التمهيد لولادتها، من خلال ترجمة الروايات الغربية وتعريبها وتمصيرها، مستشهدًا بآراء رواد الفكر والترجمة مثل يعقوب صروف وفرح أنطون، مؤكدا أن الترجمة، رغم التحديات الراهنة، لا تزال ركيزة أساسية في عمل المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة، معوّلًا عليها في استقطاب القراء من مختلف الأعمار والمجالات، ومؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من تطور، لن يلغي الدور الجوهري.
وشهدت الندوة في ختامها مداخلات ثرية من الحضور، من بينهم الروائي محمد جمال الدين، والروائي محمود حمدون، والروائي أحمد إبراهيم، والروائي عزت عبد الكريم، والشاعر أحمد عبد القادر، والدكتور الحملاوي صالح، والدكتور إبراهيم حنفي، والأستاذ سامي حنا، والأديبة الدكتورة ماريان سليمان، والإعلامي محمد قاياتي، حيث تنوّعت المداخلات بين تجارب شخصية في الترجمة، ورؤى نقدية حول علاقتها بالإبداع، وأسئلة مفتوحة حول مستقبل المترجم في ظل التحولات التكنولوجية الراهنة.


