رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

ليس مجرد خطأ فردى بل جرح فى نسيج الأسرة والمجتمع

عقوق الوالدين.. بين الشرع والقانون

بوابة الوفد الإلكترونية

فى أحد أحياء القليوبية، ارتفعت صرخات السيدة السبعينية «الحاجة ربيعة» لتشقّ أرجاء المنزل وتصل إلى الجيران، الذين صدموا أمام مشهد ابنها مصطفى، وهو يعتدى عليها بالضرب والخنق ليستولى على معاشها ويهدد حياتها بالقتل، كل ذلك لتمويل إدمانه على المخدرات، قبل أن يتدخل الجيران وينقلوا الأم المصابة باشتباه ارتجاج فى المخ إلى المستشفى، فيما هرب الابن الذى ضبطته أجهزة الأمن لاحقًا، ورغم بشاعة هذا المشهد، لكنه يتكرر كثيرًا ففى صمت البيوت المصرية تختبئ قصص لم تُروَ، صرخات كبار السن، وأعينهم المليئة بالخوف والحيرة، أمام أبنائهم الذين قلبوا الطاعة إلى تهديد والعرفان إلى أذى، ومن السرقات إلى الضرب والتهديد، ومن المشكلات النفسية إلى الإدمان، تتعدد وجوه العقوق، لتصبح قضية اجتماعية وقانونية ودينية تحتاج إلى إعادة نظر عاجلة.

 

الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق
الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق

كبائر الذنوب

فى هذا السياق، أكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، أن عقوق الوالدين يعد من أخطر صور الفساد فى المجتمعات، حيث اعتبره القرآن الكريم من الكبائر التى تهدد تماسك الأسرة واستقرار المجتمع. مشيرًا إلى أن الله عز وجل قرن بر الوالدين بتوحيده فى قوله تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا»، ما يعكس عظمة هذا الحق وعلو منزلته.

وأوضح الهدهد أن الإحسان إلى الوالدين ليس مجرد فضيلة، بل هو قاعدة أساسية يقوم عليها المجتمع السليم، مشيرًا إلى أن القرآن شدد على احترام الوالدين، خصوصًا عند كبرهما، ونهى عن أدنى درجات التضجر، كما فى قوله تعالى: «فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا»، موضحًا أن قول «أف» يعد أخف العقوق، لكنه فى الوقت نفسه يمثل بداية الانحراف عن بر الوالدين.

واستشهد الهدهد بحديث النبى ﷺ: «رغم أنف امرئ أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يغفر له»، مؤكدًا خطورة العقوق وحرمان العاق من رحمة الله، داعيًا إلى حسن المعاملة والتواضع للوالدين، مستشهدًا بالآية: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرًا».

وأشار إلى أن الصحابة كانوا يقدمون أروع الأمثلة فى البر، وكانوا يستحيون من رفع أصواتهم أمام والديهم أو فرض آرائهم عليهم، ما كان سببًا فى رفعتهم ومكانتهم فى الدنيا والآخرة، مؤكدًا أن الالتزام ببر الوالدين هو المفتاح لبناء مجتمع قوى ومترابط.

 

الدكتور على فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية
الدكتور على فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

الفطرة الإنسانية

فيما أوضح الدكتور على فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن العقوق سلوك يتناقض مع الفطرة الإنسانية التى تحث على بر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما، مشيرًا إلى أن الوالدين تحملوا الكثير من المشقة فى تربية الأبناء، وذكّر بأهمية تذكر هذه التضحيات لتعزيز الإحسان والبر.

وبيّن فخر أن العقوق قد يظهر بأشكال مباشرة أو غير مباشرة، مستشهدًا بحديث النبى صلى الله عليه وسلم: «إن من أكبر الكبائر أن يسبّ الرجل والديه»، مشددًا على أن من يعق والديه قد يُبتلى بعقوق أبنائه، وهو أمر مكروه شرعًا.

 

خطوة تشريعية جديدة

وبعد عدة دعوات لضرورة إصدار قانون يجرم عقوق الوالدين، حيث إن قانون الإجراءات الجنائية الحالى يفرض عقوبات على السب والضرب بين الأشخاص، لكنه لا يتضمن تشديدًا خاصًا إذا وقع الفعل من الابن تجاه والديه، تقدم البرلمان المصرى بمشروع قانون جديد يضيف مادة إلى قانون العقوبات، تنص على معاقبة كل من يعتدى على والديه بالسب أو الإهانة أو الهجر أو التسبب فى أذى جسدى، بعقوبة حبس تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، مع تشديد العقوبة حال تكرار الجريمة لتصل إلى الحد الأقصى المضاعف.

ولا يقتصر القانون الجديد على السب والضرب والهجر، بل يشمل أيضًا تجريم التنمر على الوالدين، ويُعرف بأنه استغلال ضعف الضحية لإهانتها أو السخرية منها، وتتراوح العقوبات من الحبس 6 أشهر وغرامة 10–50 ألف جنيه، وتصل إلى الحبس سنة وغرامة 30–100 ألف جنيه عند ارتكاب الجريمة من أكثر من شخص أو استغلال سلطة، مع مضاعفة العقوبة عند التكرار. وتنقضى العقوبة إذا تنازل الأب أو الأم عن الشكوى، بينما كانت القوانين السابقة تعتمد على تقدير القضاء فى مواد الضرب والسب والقذف.

فى الختام، نجد أن عقوق الوالدين ليس مجرد خطأ فردى، بل جرح فى نسيج الأسرة والمجتمع، ونداء لتقوية القيم والأخلاق، وحماية من ضياع الحقوق، من خلال الوقائع اليومية والتوجيهات الدينية والتشريعات القانونية، يظهر بوضوح أن الحل يبدأ بالوعى، والتربية السليمة، وإصلاح العلاقات بين الأبناء والوالدين، قبل أن تتحول الخلافات إلى مأساة تهدد الأسرة بأكملها.