رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

لما النور بيقطع .. "الميوزيكال كمساحة اعتراف أخيرة بين زوجين"

بوابة الوفد الإلكترونية

يقدّم فيلم «لما النور بيقطع» للمخرج عبد العزيز النجار تجربة سينمائية قصيرة مختلفة وغير تقليدية، تجمع بين الدراما النفسية، والكوميديا السوداء، والميوزيكال، في قالب بصري محكم، جعله يستحق جائزة البرج الذهبي لأفضل فيلم مصري ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للفيلم القصير في دورته السابعة.

 

ينطلق الفيلم من لحظة إنسانية شديدة الحساسية، حيث نجد زوجًا وزوجة على حافة ورقة الطلاق. الكاميرا هنا لا تبتعد، بل تقترب بجرأة من وجهيهما وملامحهما، لترصد حالة التوتر، والخذلان، والإنهاك العاطفي، في حضور المأذون، بوصفه شاهدًا رسميًا على نهاية علاقة. هذا الاختيار الإخراجي منذ البداية يضع المشاهد داخل قلب اللحظة، لا كمراقب خارجي، بل كشريك وجداني في ما يحدث.

فجأة، وبدون مقدمات، ينقطع النور. هنا لا يستخدم المخرج هذا الحدث كعنصر تقني عابر، بل يحوّله إلى نقطة تحوّل درامية. بانقطاع الكهرباء، تتوقف الإجراءات الرسمية، ويختفي حضور الأطراف الخارجية، ليتحوّل المشهد من حالة قانونية جامدة إلى جلسة مواجهة إنسانية خالصة بين الزوجين.

في هذا الظلام المؤقت، يخرج الفيلم من شكله الواقعي المباشر إلى مساحة أكثر تجريدًا وحرية، حيث يبدأ الحوار الغنائي بين الطرفين، ليصبح الفيلم ميوزيكالًا غير تقليدي داخل إطار السينما القصيرة. الأغاني هنا لا تأتي للزينة أو الاستعراض، بل كوسيلة درامية بديلة للكلام العادي، تتيح للشخصيتين التعبير عن مشاعرهما المكبوتة، وعتابهما المتبادل، وخيبات الأمل، بل وحتى لحظات الحنين والضحك المرّ.

ينجح الفيلم في توظيف الكوميديا السوداء كأداة ذكية لكشف شروخ العلاقة الزوجية، حيث تتجاور المرارة مع الطرافة، ويضحك المشاهد بينما يدرك قسوة الموقف. فالأغنية، رغم خفتها الظاهرية، تحمل في طياتها نقدًا للعلاقة، وتعرية لسلبياتها، وفي الوقت ذاته تلمّح إلى إيجابياتها وما تبقى منها.

على المستوى البصري، يلعب التصوير دورًا أساسيًا في دعم الفكرة. فاعتماد الكاميرا على اللقطات القريبة (Close-ups) يمنح الأداء التمثيلي مساحة كاملة للتعبير، ويجعل من أدق التفاصيل – نظرة، ابتسامة ساخرة، دمعة مكبوتة – عنصرًا سرديًا قائمًا بذاته. 

 

كما يواكب مدير التصوير التحول الدرامي من المشهد الواقعي إلى المشهد الغنائي بأسلوب بصري متماسك، دون افتعال أو قفزات شكلية تخرج المتفرج من الحالة.

ويُحسب للفيلم تركيزه شبه الكامل على البطلين فقط، بوصفهما محور الحكاية، دون تشتيت درامي أو شخصيات ثانوية زائدة. هذا التركيز يعزز فكرة أن جوهر العلاقة – سواء كان الحل أو الانفصال – يجب أن يبدأ من حوار حقيقي بين الزوجين نفسيهما، بعيدًا عن تدخلات الأهل أو المجتمع أو أي أطراف أخرى قد تُعقّد الأزمة بدلًا من حلّها.

الأداء التمثيلي في الفيلم يأتي على مستوى عالٍ من الاحتراف، خاصة في المزج بين التمثيل الدرامي والغنائي، وهو تحدٍ صعب في حد ذاته، لكنه يُنفذ هنا بسلاسة تُظهر انسجامًا واضحًا بين الممثلين، وقدرة على الانتقال بين الانفعال الجاد والسخرية المؤلمة دون كسر الإيقاع.

في مجمله، يُعد فيلم «لما النور بيقطع» نموذجًا لسينما قصيرة واعية وجريئة، تكسر القوالب التقليدية، وتوظف الميوزيكال والكوميديا السوداء لخدمة فكرة إنسانية عميقة. وهو عمل يثبت أن السينما القصيرة قادرة على طرح قضايا اجتماعية شائكة – مثل الطلاق والعلاقات الزوجية – بلغة فنية مبتكرة، وبكثافة شعورية عالية، دون الوقوع في المباشرة أو الوعظ.