رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

شَرْطة مائلة

تكشف التطورات المتسارعة في كلٍّ من قطاع غزة والضفة الغربية أن الاستيطان الإسرائيلي لم يعد أداة تفاوضية أو ورقة ضغط مؤقتة في يد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بل هل منطق وعقيدة يحكمان سلوك إسرائيل نفسها، بغضّ النظر عن المسارات السياسية المعلنة أو الضغوط الدولية الظاهرة، فالتناقض الصارخ بين الخطاب الإسرائيلي الرسمي، والممارسة الفعلية على الأرض، لا يعكس ارتباكًا في القرار بقدر ما يعكس ازدواجية مقصودة لإدارة الصراع لا حلّه.
على مستوى غزة، وبينما تنقل وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر أمريكي تأكيده رفض واشنطن عودة الاستيطان إلى القطاع وضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يخرج وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ليؤكد في الوقت نفسه أن إسرائيل "لن تنسحب أبدًا من كل قطاع غزة"، وأن الحكومة "لا تنوي حاليًا" بناء مستوطنات، مع الإعلان عن إنشاء وحدة عسكرية–مدنية مشتركة لإدارة القطاع، هذا التناقض يعكس محاولة للفصل بين الاستيطان كفعل رسمي مُعلن، والسيطرة كواقع ميداني دائم، بما يسمح لإسرائيل بالبقاء في غزة دون تحمّل كلفة الضم القانوني أو الانسحاب الفعلي.
على جانب آخر؛ يبدو المشهد في الضفة الغربية أكثر وضوحًا وأقل مواربة، فإعلان كاتس إقامة 1200 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "بيت إيل" (بيت الرب)، بالتزامن مع مصادقة المجلس الوزاري المصغّر على إنشاء 19 مستوطنة جديدة، لا يترك مجالًا للشك بأن المشروع الاستيطاني الصهيوني اليهودي الإسرائيلي يدخل مرحلة تسريع حاسمة.
اللافت أن هذا التصعيد لا يأتي من فراغ؛ بل في سياق سياسي إقليمي ودولي يتسم بالغموض والتردد، فالصمت الدولي يوفر غطاءً سياسيًا لاستمرار تقويض حل الدولتين، ويمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للمناورة بين خطاب "العملية السياسية" وممارسة "الضم الزاحف"، وهو ما عبّرت عنه وزارة الخارجية الفلسطينية بوضوح حين اعتبرت قرارات الاستيطان اعترافًا علنيًا بارتكاب جرائم حرب، وفق القانون الدولي ونظام روما الأساسي، لا مجرد انتهاكات قابلة للاحتواء الدبلوماسي.
بالعودة إلى غزة؛ يعكس موقف حماس من المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار إدراكًا لهذا المنطق الإسرائيلي، فرفض الحركة لأي وصاية خارجية أو نزع سلاح، وتأكيدها أن الاحتلال لا يريد الانتقال إلى مرحلة الانسحاب الكامل من القطاع؛ يضع جوهر الصراع في مكانه الصحيح، فهو ليس خلافًا على ترتيبات أمنية، بل على طبيعة السيطرة نفسها، تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس عن "بؤر استيطانية شمال القطاع في الوقت المناسب" تفضح النوايا الحقيقية التي لا تزال ترى في غزة فضاءً قابلًا لإعادة الاستعمار والاستيطان اليهودي الإسرائيلي متى ما سمحت الظروف.
في هذا السياق؛ تبدو الإدارة الأمريكية لاعبًا مترددًا أكثر منها حاسمًا، فالرهان الإسرائيلي على اجتماع مرتقب بين نتنياهو وترامب، وعلى مواقف واشنطن من الربط بين الانسحاب ونزع السلاح، يعكس محاولة لتحويل الولايات المتحدة إلى شريك في إدارة الصراع بدلًا من فرض تسوية، أما الحديث عن "مجلس السلام" المُزمع تكوينه، أو إدارة انتقالية لغزة، كما ورد في اجتماع ميامي الرباعي، فيبقى إطارًا فضفاضًا لا يلامس جوهر المشكلة، التي تتمثل في استمرار السيطرة الإسرائيلية، عسكريًا وجغرافيًا وسياسيًا.
خلاصة القول؛ إن ما يجري في غزة والضفة ليس مسارين منفصلين، بل تعبيرين عن منطق واحد، ترى إسرائيل في الأرض الفلسطينية مجالًا مفتوحًا للسيادة العملية، وتستخدم المفاوضات والهدن والضغوط الدولية كآليات لإدارة الزمن لا لتغيير الاتجاه، وتتآكل إمكانية الحل السياسي العادل، فيم يتعزز الواقع الاستيطاني الذي يبتلع الأرض الفلسطينية والقضية برمتها.